أفكار وخطط الدفع الإلكتروني أكبر من الواقع.. وتمسك حكومي بالمشروع بغياب بنى تحتية مستقرة
دمشق – ريم ربيع
أربعة أعوام على بدء تطبيق الدفع الإلكتروني، توسعت خلالها الجهات المفوترة، والخدمات المشمولة إلزاماً أو اختيارياً، وصدرت -على ذمة القائمين على المشروع- معظم القوانين التي تهيء البيئة التشريعية بالكامل، وانتشرت أجهزة الدفع في الكثير من القطاعات الحيوية، كما سجلت الشركات المفوترة “عامة وخاصة” تزايداً تصفه بالجيد في عدد البطاقات العاملة، وكشفت السورية للمدفوعات عن تحصيل 44 مليون مطالبة مالية خلال هذه الأعوام.
كل هذا ولم تحقق المنظومة بأكملها ما يحتاجه المواطن من مقومات وبنية تحتية جيدة ليكون جزءاً منها، فهو مستهدف بالآلية وملزم ببعض النقاط بالدفع الإلكتروني، لكنه لم ير به حلاً بقدر مازاد من أعبائه واحداً، ففي الوقت الذي يسّر الدفع بعض تعاملات قطاع الأعمال، ضمن السقوف التي حددها المركزي، يواجه أغلب المواطنين صعوبات في الخدمات القليلة الملزمين بالدفع الإلكتروني بها، تتعلق بفتح حسابات مخصصة للدفع دون أن يكون لديهم كتلة نقدية لإيداعها! أو بالبنى التحتية من كهرباء وشبكة انترنت، لاسيما في الأرياف والمناطق النائية، أو بالصعوبات التقنية التي يواجهونها خلال تنفيذ العملية.
غير أن هذه الإشكاليات “ليست محرزة” للتوقف عندها ومعالجتها قبل المتابعة على مايبدو، إذ تمضي الجهات المعنية بخططها، وتصدّر بمؤتمراتها ومعارضها وبياناتها الصورة الحضارية والجميلة للدفع، بغض النظر عن البنية التحتية، فالأرقام تتحدث عن تحصيل مطالبات بقيمة 1.6 ترليون ليرة منذ بداية المشروع، والترخيص لـ8 شركات دفع خاصة، فضلاً عن انضمام 30 جهة عامة مفوترة إلى السورية للمدفوعات، و16 مصرف، وشركتي الاتصالات، ليؤكد رئيس اللجنة الإدارية في الجمعية المعلوماتية السورية إياد زوكار أن الدفع الإلكتروني لم يعد مجرد وسيلة تبادل أموال، بل أصبح من أساسيات الحياة اليومية، عبر الجمع بين عالم التقانة وعالم المال، وهو يمثل عنصر أساسي في استراتيجية التحول الرقمي وجزء هام في الاقتصاد الوطني وتحقيق النمو الاقتصادي والاستقرار المالي.
وخلال مؤتمر الدفع الإلكتروني الذي عقد قبل أيام، أكد زوكار العمل لتحسين بيئة الاتصالات والتكنولوجيا، حيث تساعد شركات الدفع بتطوير الآليات بشكل مستمر، مع التوجه لتعزيز التمكين الرقمي بين أكبر شريحة من المواطنين، فيما أشار مدير شركة دفع خاصة إلى أن أعداد البطاقات التي يتم تسجيلها تشير إلى تزايد وإقبال جيد على آلية الدفع، حيث سجلت الشركة 1.3 مليون بطاقة منذ 2020، و400 صراف آلي يخدم العملية، و15 ألف جهاز دفع، و120 تطبيق موبايل، مبيناً أن كل عام يسجل تطوراً جديداً في الآلية، فكانت البداية من من الصرافات الآلية، ثم الدفع بجهاز pos، ثم ارتباط بوابة الدفع الإلكتروني مع التطبيقات والمواقع الإلكترونية، بعدها تطبيق الموبايل.
الأستاذ في كلية الاقتصاد الدكتور عابد فضلية أوضح أن التداول الإلكتروني ومن ضمنه الدفع الإلكتروني، هو مسألة حضارية لا بد من اللجوء إليها في العالم المعاصر، ولكن تطبيق معظم برامج هذا التعامل غير متوفر في سورية بالمستوى المناسب، ولا يوجد في الواقع سبب مباشر لهذا الأمر، لكن الأسباب غير المباشرة تتمثل أن البنية التحتية واللوجستية كقاعدة للتداول الإلكتروني غير متوفرة كما يلزم، فهي تحتاج مبالغ استثمارية هائلة، وإلى دعم فني خارجي، بينما الظروف الحالية تتمثل بضعف الإيرادات العامة والشخصية، وأيضاً بمصاعب الحصول على ما يلزم من معلومات من الخارج، فالفكرة والمشروع والرؤية واضحة، وهناك محاولات لتطبيقها، لكن الإمكانات لتحقيق الحد الأدنى من متطلبات هذه الرؤية غير متوفر حالياً.
وأشار فضلية إلى أن الطلب ضعيف في السوق، بمعنى أن عدد أوامر الشراء قليلة، نتيجة ضعف القوة الشرائية، مما يعني أن كافة الإجراءات المتعلقة بكيفية تسديد قيم الشراء قليلة، وبالتالي فإن الاحتكام لنتائج تجارب الواقع ضعيفة، فلذلك يجب تعميق المفاهيم النظرية مع التجارب العملية لكيفية التعامل مع الدفع الإلكتروني.
واعتبر فضلية أن مشروع التعامل الإلكتروني هام جداً، إلا أن نجاحه يحتاج بنية تحتية ولوجستية متناسبة، لذا باعتبار أن لدينا الفكرة أكبر من الواقع يجب تطوير الواقع لمستواها.
بدوره حدد الخبير الاقتصادي جورج خزام عقبات الدفع بقرار المصرف المركزي بأنها تقييد حرية سحب ونقل الأموال، مما يمنع كل أصحاب رؤوس الأموال من إيداع الأموال بالمصارف من أجل التحول للدفع الإلكتروني، و ذلك بسبب تفضيل التحول لشراء الدولار من السوق السوداء لسهولة نقله و تخزينه و لإتمام المدفوعات، إضافة إلى الإزدحام الشديد في المصارف وعلى الصرافات، والذي يجعل من غير المقبول الوقوف ساعات لإيداع الأموال بالحسابات من أجل الدفع الإلكتروني، كما أن المصرف المركزي أصدر قرار بدفع عمولة إيداع و عمولة سحب، ومعه زيادة التكاليف على الزبائن مع قبض عمولة بدون تقديم أية خدمات مصرفية.
وأوضح خزام أن الدخل بشكل عام لأغلب المواطنين لا يوجد فيه أي فائض من أجل إيداعه بالمصارف، كما أن تغطية الأبراج لشبكات الموبايل في أغلب المناطق تكون سيئة وخاصة مع انقطاع الكهرباء، إضافة إلى أن الدفع والقبض الإلكتروني للمحلات التجارية مع الربط الإلكتروني للحسابات مع وزارة المالية، يحتاج لتأسيس في المحلات يبدأ بشراء الكومبيوتر وبرامج المحاسبة وبطارية، مع وجود محاسب مختص لمتابعة الحسابات، وكل هذا يحتاج لمصاريف تأسيسية تتجاوز ال 20 مليون ليرة.
وأشار خزام إلى أن إلزام المواطنين بالتحول للدفع الإلكتروني أظهر مهنة جديدة بالسوق و هي الوسيط الذي لديه رصيد بالمصرف، يقوم بالدفع مقابل عمولات عالية، معتبراً أنه قبل مطالبة المواطنين بالتحول للدفع الإلكتروني كان من الأفضل للمصارف الحكومية أن تقوم بتأمين و لو لوح طاقة شمسية واحد لأجهزة الصرافات المقطوع عنها الكهرباء، والتي يقف أمامها العشرات من الموظفين لساعات، وغالباً ما تكون خارج الخدمة أو معطلة أو متوقفة بسبب نفاذ النقود.