دراساتصحيفة البعث

الخطاب الخامس

 

كلمة  الرفيق الأمين العام للحزب،  د بشار الأسد، تعادل من حيث المحتوى  والرؤى خطاباً تجديدياً يمكن وصفه بالخطاب الخامس آخذاً في الاعتبار خطاب التأسيس 1947، وخطاب بعض المنطلقات النظرية عام 1963، وخطاب التصحيح 1970، وخطاب التطوير والتحدث عام 2000.

الخطاب هو ذلك المشروع الذي يتمتع بشرعية المصدر سواء كان الشخص بموقع السلطة أو حزباً أو مؤسسة، وتكمن قوة الخطاب في سلطته أي تأثيره في الجمهور المستهدف، ودرجة تفاعله معه بوصفه يعبر عن مصالحه وحاجاته. وقد جاء الخطاب مستنداً إلى استحضار تاريخي واستدعاءً لنضالات الحزب قبل أن يكون  في السلطة، وتعريفه لخصومه من قوى رجعية وحاقدة على الفكر القومي، والإشارة إلى دور الحزب التاريخي، والحاجة للعقيدة، والتحذير من ثقافة اليأس، فالبعث كان ولا زال اللاعب الأساسي في الدولة السورية، وهذا القول يعطي الحزب ومنتسبيه وقياداته قوة معنوية، ودعم شعبي، ويجعل منه رهان للمستقبل، وفيه رد على من أصبح يسّوق أن دور الحزب قد انتهى أو تقلص  إلى درجة طرح  لأسئلة بعضها غير بريء،  إضافة إلى أن  ما يجري في سورية ضمن حزب البعث ينعكس على موقع ودور الحزب في سورية وفي الساحة العربية، لأنه بقدر ما للبعث من قاعدة وطنية في سورية، فله قاعدة  قومية عربية يمثلها بعثيون عرب، وتيار قومي عربي واسع الطيف، مع الإشارة للنقاط التالية :

–  البعث حزب حكم سورية ولازال واستمر لأنه امتلك قاعدة وطنية وشعبية واسعة، وقدم نفسه خادم للطبقات الفقيرة وللوطن، واستمر لأنه راكم انجازاته، وتوفرت له قيادات استطاعت أن تقوده إلى بر الأمان رغم حجم التحديات وحجم الاستهداف.

– الحزب استجاب للتحديات وتمكن من تطوير نظريته وسياساته، ولم يتسم بالجمود النظري أو التكلس الفكري، وامتلك قدرة على نقد تجربته وسياساته وتصويبها.

– حزب البعث لا يواجه منافسين حقيقيين على الرغم من أهمية المنافسة، لأن الحزب يتطور ويقوى بالتحدي، لذلك لابد من تطوير وتجديد الحوض السياسي.

– لابد من وضع خريطة طريق تعتمد ما طرحه الرفيق الأمين العام من أفكار وتحديات، ووضع آليات ومهام أمام الجهاز الحزبي وقياداته، ووضع خطة تتبع لتتفيذها، والقيام بتقويم مرحلي، وقياس النتائج.

– لابد من تطوير النظام الداخلي للحزب وتطوير جدول أعمال المؤتمرات الدورية، وضرورة وضع بند للمحاسبة بدل النقد والنقد الذاتي.

– تطوير أسلوب الاجتماعات الحزبية، وأهمية فتح حوارات مع الجماهير ومشاركتها في هذه الاجتماعات، وتفعيل اللقاءات الجماهيرية.

– إتباع أسلوب الاستبيان الحزبي واستطلاعات الرأي العام وانجاز الانترنيت الداخلي، وتحميل الجهاز الحزبي على الشبكة والتواصل الشبكي بدل الورقي.

– من المهام الأساسية للحزب تطوير كوادر الحزب وتأهيلها فكرياً وتنظيمياً، والدفع بها للمواقع المتقدمة، وتمثل البعثيين لأخلاقيات الحزب، وتفعيل المحاسبة ولاسيما الإعفاء من المسؤولية .

– العلاقة بين الحزب يجب أن تحكمها المصلحة العامة، والمصالح الوطنية، فالموضوع هو تحديد الصلاحيات وتكامل الأدوار لا تعارضها.

– أن تطرح قيادة الحزب الأفكار والسياسات، وتتعامل معها الحكومة بايجابية، وتضيف إليها انطلاقاً من جاذبية الفكرة والتعامل مع الأفكار بغض النظر عن مصدرها.

– أن تمارس المؤسسات الرقابية دورها المحاسبي ولاسيما مجلس الشعب، وتفعيل مبدأ حجب الثقة انطلاقاً من تتفيذ خطط الحكومة وتقويمها.

– تفعيل الإعلام الحزبي وتعزيز دوره.

– الانفتاح الاقتصادي، وجذب الاستثمارات الداخلية والخارجية والرأسمال الوطني، واستصدار تشريعات تمنح الثقة للمستثمرين وتسهيل إجراءات الاستثمار، وخلق مناخ ثقة، ووضع خريطة اقتصادية واستثمارية لسورية، ودعم القطاع الزراعي والإنتاجي ومنحه امتيازات حقيقية.

– الإصلاح الإداري الحقيقي ومحاربة الفساد وتعزيز ثقافة النزاهة.

– أن تمارس كافة المؤسسات السلطوية والحزبية صلاحياتها بدون تدخلات من مراكز النفوذ، وتعزيز سلطة القانون ودولة القانون والمؤسسات حقيقةً لا خطاباً.

– تعزيز الهوية الوطنية بتكريس دولة المؤسسات وسيادة القانون والعدالة الاجتماعية، وأن قوة الوطن من قوة المواطن، وبناء الوطن من بناء المواطن، وتعزيز فكرة الشراكة في المغرم والمغنم

التحديات:

هناك تحديات وضّحها الرفيق الأمين العام، وكل تحد يستدعي استجابة فما هي تلك التحديات، وما هو شكل الاستجابة المطلوبة مع التأكيد على ما يلي؟ :

  • الأحزاب العقائدية ضرورة وحاجة، لأن الصراع صراع أفكار وعقائد، أي أن الأحزاب العقائدية ليست فعلاً ماضياً أو ترفاً فكرياً.
  • صياغة رؤية الحزب حول دور الدولة في مختلف القضايا والقطاعات، بأن يطرح الحزب الرؤى، والحكومة تحول هذه الرؤى إلى سياسات وبرامج تنفيذية، ولعل العنوان الأهم هنا هو الوضع المعاشي.
  • لابد من التطوير ومعالجة الأخطاء المتراكمة، وما يخيفنا هو عدم معالجة هذه الأخطاء والتراكمات، ونحن عندما نطور نقوم بذلك استجابة لحاجة داخلية لا لظروف ضاغطة خارجية.
  • التحدي الأول: بناء مؤسسة الحزب، وذلك نتيجة حوار داخل الحزب، أي كيف نطور حزبنا. والقضية هنا تتعلق بدور الحزب ودور الحكومة ودور الحزب هو رسم السياسات، وتأتي الحكومة لتنفذ هذه السياسات، أي تموضع الحزب وابتعاده عن إشكالات العمل الحكومي، لا إضعافه أو تحميله مسؤولية عمل لا علاقة له به، وهذه العلاقة عنوان رئيسي أمامنا.
  • المسألة الثانية تتعلق بالبنية التنظيمية، وتشمل كل المستويات من القيادة إلى الفرق والشعب، والحاجة لإعادة النظر بالمكاتب دمجاً أو إضافةً.
  • دور اللجنة المركزية غير مفعلة بشكل جدي، وما طبيعة العلاقة بينها وبين اللجنة المركزية، وأن يتم تفعيل دور اللجنة المركزية في المحاسبة، وأن تقوم بهذا الدور أيضاً المؤتمرات السنوية للفروع والشعب، أي تفعيل حالة المحاسبة، وهذه مسألة على درجة من الأهمية، بالإضافة إلى تعزيز دور ومهام المؤتمرات السنوية وإخراجها عن نمطيتها، ولكن علينا أن نحاسب بعد تحديد المهام.
  • الحاجة لمراجعة النظام الداخلي ليستوعب هذه التغييرات أو الأسئلة، أي تحميل هذه الأفكار الجديدة للنظام الداخلي الجديد
  • التحدي الثاني: ويتعلق بصياغة رؤيا الحزب، والمقصود به كيف يفهم الحزب دور الدولة تجاه المواطنين، وتحويل الرؤية إلى برامج عمل تنفيذية، والعنوان الأساسي هو الوضع المعاشي، وهذا ينطلق من عنوان أساسي هو الاشتراكية، وهي بالنسبة لنا العدالة الاجتماعية.
  • أهمية الانفتاح والنموذج الذي يناسبنا، وهنا تبرز التجربة الصينية، والتحدي هنا متى ينطلق النهج الاقتصادي من الايدولوجيا، ومتى ينطلق من القواعد الاقتصادية، هل هناك توافق أم تناقض أم أن هناك حل وسط؟. والسؤال ما هي قدرة الاقتصاد على تحمل القواعد الإيديولوجية دون أن يكون الاقتصاد منهكاً وخاسرا؟ً وهنا لابد من إيجاد توازن بين العدالة الاجتماعية والإيديولوجية، ولا يكون أحدهما على حساب الآخر، فكلمة اجتماعي هي التي تحقق العدالة الاجتماعيةً، وثمة امكانية لاقتصاد سوق مع اشتراكية، والتجربة الصينية مثال حي على ذلك، فمن الطبيعي أن يقف الحزب إلى جانب الفقراء، لأنه قدم نفسه لهم وهذا السؤال من الأسئلة التي يجب أن تجيب عليها الحكومة، وكذلك عملية الدعم، وما يرتبط بها من قضايا تضخم، مع الإشارة إلى ضرورة دعم القطاع الزراعي، وهناك قضايا تحتاج إلى نقاش، ولا يجوز أن يضع الرئيس الحلول، ويقطع النقاش، فهي بحاجة لحوار وطني واسع وطرح أفكار عملية وواقعية وممكنه .
  • التحدي الثالث: يتمثل بإعادة صياغة فكر الحزب الذي يجب أن يتماشى مع روح العصر، ولا يخالف انتمائنا، ولا يسلخنا عن جذورنا، فحزبنا قومي لا ينطلق من نظرية جامدة، بل ينطلق من انتماء اجتماعي حقيقي تاريخي واقعي، فالنظرية تأتي لاحقاً لتؤطر هذا الانتماء، وتعطيه طابعاً فكرياً، وتنقل هذا الانتماء من الحالة الغرائزية إلى الحالة الايجابية الفاعلة التي تعزز المجتمع وتقويه، وتنقل الانتماء من الحالة العصبية الجاهلية الضيقة إلى حالة شاملة تجمع كافة مكونات المجتمع من خلال رفع الانتماء فوق المفهوم العرقي إلى الإنساني القائم على تفاعل الأقوام عبر كافة العناصر من عرق ودين وجغرافيا، وفي كل العناصر التي تكّون المجتمع، ولهذا السبب استهدفت الأحزاب القومية، ولو كانت أحزابنا القومية تبنت الهويات الضيقة لدعمت من قبل الغرب، لأنها تتوافق مع الأهداف الاستعمارية، واستهدفت العناوين الأساسية لمجتمعاتنا العربية، وعملوا على وضع شروخ بين المكونات الوطنية، واستهدفوا بلاد الشام بقولهم أنها منطقة مسيحية، وأن السكان والدين واللغة هي نتيجة غزوات، ووضعوا كل العناصر في بوتقة واحدة. والحقيقة أن هذه العناصر لا تجمع مع بعضها البعض، فكل واحدة منها لها تاريخ مختلف عن الأخرى، فالعرب مذكورون بالوثائق التاريخية قبل ألف عام من المسيح، واستمر هذا التواجد خلال المرحلة الآرامية والسريانية وصولاً للممالك المسيحية وصولاً للإسلام، أما اللغتان المكتوبة والمنطوقة فدخلتا بزمنين مختلفين فالأنباط عاشوا قبل مائة سنة قبل الميلاد وكانوا يتحدثون العربية والآرامية، ولكنهم كانوا يكتبون بالآرامية، فاللغة شيء والكتابة شيء آخر، فقصة أن قوم يدخلون إلى مكان، وفجأة يلغون قوم ويحلون محلهم أو تأتي ثقافة وتحل محل ثقافة كلام غير منطقي، خاصةً وأن اللغة السريانية بقيت خمسة قرون بعد دخول الإسلام، فهذا الكلام غير صحيح، لأن الشعوب تتفاعل مع بعضها ثقافياً ولغوياً، ولا يمكن لقوة أن تسيطر على هذه الديناميكية. وكذلك حاولوا طرح إشكالية العلاقة بين العروبة والإسلام، فإذا كان هناك مشكلة بين الدين والقومية، فلماذا لا نسمع عن مشكلة ما بين الدول غير الإسلامية؟ والإسلام وكذلك لا مشكلة بين الإسلام والمسيحية، ولا العروبة والمسيحية سيما وأن رواد الفكر القومي من المسيحيين، فلا مشكلة بين الأديان والقوميات في كل العالم، ولم نسمع بذلك فالقصة مفتعلة وليست حقيقية، فالدين عنصر أساسي في أية هوية ومجتمع، ولكنه لا يتعارض مع الهويات القومية للشعوب والذين عارضوا الإسلام في الجزيرة العربية هم أصحاب المصالح، لأنه دعا للعدالة، فالإسلام لا يتناقض مع القومية الموجودة في ذلك المكان، والجاهلية تعني أن المجتمع كان على ضلال، فالشعر والأدب لا يمكن أن يأتيا من أقوام متخلفة، ولا يمكن لدين إنساني أن ينزل على جماعات بدائية، لأن هكذا جماعات لا يمكن أن تحمل رسالة سماوية سامية وعظيمة، وكذلك اللغة العربية فلا يمكن لأية لغة أن تحمل معانيه العميقة، فالطاقة الحضارية العربية كانت كامنة، فجاء الإسلام ليطلق هذه الطاقة الموجودة ويعطيها هذا البعد الإنساني الأشمل والعالمي والأوسع، وهنا تكمن العلاقة العميقة بين العروبة والإسلام، فنحن لسنا بحاجة لكي ننظر لروابط بين العروبة والإسلام، فهذه علاقة عضوية وطبيعية فلا تناقض ولا صدام بينهما، ولا إقصاء، بل تكامل وانسجام. وكذلك هي العلاقة بين العروبة والمسيحية، وكذلك العروبة والإسلام فكلها عناصر مكونة لهويتنا الجامعة التي تكونت عبر آلاف السنين، وإلغاء أي عنصر من عناصر هذه الهوية، يعني إلغاء الهوية برمتها. وكذلك حاولوا اعتبار العروبة عرق ليضربوا بنيتنا وهويتنا، فنخن نتحدث عن عروبة حضارية شاملة تقوم على التنوع العرقي والديني، وهذا يعني الاندماج بين المكونات لا الدوبان، بل الحفاظ على كل مكون من هذه المكونات ضمن المجتمع الواحد، وكلما زاد هذا التنوع في المجتمع السوري قوة وثراء، وكلما برز هذا التنوع زادت العروبة ثقة ورسوخاً، ونحن نموذج لهذا التنوع فكلكم منتسبون لحزب البعث القومي، ولم تشعروا في يوم من الأيام أنكم يجب أن تتخلوا عن هويتكم القومية لكي تنتسبوا إلى حزب البعث، ونحن نشجع على التمسك بهذه الهويات وبعاداتهم وتقاليدهم والانتماء الديني وغيره، ولكل ما سبق ستبقى العروبة أساس فكرنا وتوجهاتنا وانتمائنا الفطري والطبيعي، لأن العروبة بالنسبة لنا هي العمود الفقري الذي يحمي مكونات المجتمع، وعندما ينهار العمود الفقري تتفتت الروابط بين الأعضاء وينهار الجسم كاملاً، لذلك نحن بحاجة لتطوير العلاقة بين العروبة الشاملة والهوية الوطنية المتنوعة والقيم الإنسانية الراقية، وهذه العناصر الثلاثة هي التي تحمي الاستقرار في مجتمعنا، لأنها تحمينا من العناصر الفكرية الشاذة المتطرفة والمتزمتة والدونية، والأفكار القادمة من الخارج وفي مقدمتها الليبرالية الحديثة والمدمرة للمجتمعات، وهذا يدفعنا للسؤال أين موقع الفكر في كوننا حزب بعث عربي اشتراكي، وأين موقع المفكرين؟.

د خلف المفتاح