أسئلة الرئيس الأسد.. تتجاوز المجرد إلى “التأشيري” فيما هو متوجب من عمل..
قسيم دحدل
أسئلة كبرى ومصيرية في تاريخ الدولة السورية جاءت بعد تحولات وتغيرات وتحديات خطيرة، فرضها المشهد الداخلي والعالمي علينا، وخاصة بعد سنوات الحرب الإرهابية الظالمة على سورية، وما استتبعها من تداعيات فرضت بمجملها متوالية معقدة ومتشابكة من المتطلبات الواجب على الكل تحمل مسؤولياته تجاهها، وبالتالي العمل على صياغة وإيجاد الحلول المتناسبة مع الحالة السورية وفق صيغ خلاقة نوعية، نستطيع من خلالها النهوض مجددا لنصل إلى “استثمارات” فكرية واقتصادية واجتماعية تنقلنا إلى حالة التحكم بالتوجهات المستقبلية وإحداث النقلة النوعية – إن لم نقل الانقلاب الإيجابي بكل ما للكلمة من معنى – في كل مفاصل الدولة السورية، التي هي اليوم في أمس الحاجة لاستنفار كل الطاقات المعنوية والمادية وعلى كافة الأصعدة وفي جميع القطاعات والمجالات والجبهات، ليس بدءا من العلاقة الجديدة ما بين الحزب والحكومة التي يجب أن تكون حاضرة وفاعلة ليتم في ضوئها رسم وتحديد السياسات والخطط والبرامج المستقبلية القادرة على انتشالنا من مشكلاتنا المزمنة والمستجدة والطارئة.. وخاصة السياسات الاقتصادية والاستثمارية والمالية والنقدية..
تلك الأسئلة والتي طرحها السيد الرئيس بشار الأسد في كلمته خلال الاجتماع الموسع للجنة المركزية لحزب البعث العربي الاشتراكي، جاءت لتكشف في جانب من جوانبها الهامة والحساسة، مدى الإطلاع الشامل والوافي لسيادته وفهمه الدقيق وإدراكه العميق المميزين للاحتياجات الملحة التي من شأن إنجازها في وقتها، تحقيق ما يصبوا إليه السوريون من تغيير وإصلاح وتطوير..
الأسئلة بتفاصيل مواضيعها وتسلسل طرحها وترابطها، شكلت بنية فكرية وأيديولوجية: سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، مهدت الطريق لتحديد أي الإجابات التي يجب أن تكون، فكانت بمثابة المؤشر الاسترشادي أو على الأصح ” التأشيري” فيما هو متوجب علينا من عمل ، وصلاً لإنجاز ما نطمح إليه من حلول تغيير وتطوير ونهضة.. مؤشر مهدّ الطريق لكل منا ليكون له آلية تفكير مختلفة تمكنه من تقديم الحلول، ومن خارج الصندوق، حيث يؤكد التاريخ والتجارب أن الأزمات لا تولِّد الفرص فقط بل وبإمكانها أن تحقق “المعجزات” أيضا، إذا ما توافرت عواملها وعناصرها.. وهذا ما شجع عليه سيادته في كلمته.
أسئلة فضل سيادته عدم تقديم الإجابات عليها شخصيا رغم ملامستنا لوجودها في صميم الأسئلة التي طرحها.. حيث تدلل بحد ذاتها على الإجابات المستهدفة التي ترك للكل شرف المشاركة والمحاولة بتقديمها، لأن فيها مصير وطن يحتاج لاستنفار طاقتنا، كل من موقعه ودوره ومسؤوليته، في إعداد وتقديم صياغات بنيوية حديثة ومتطورة تلبي طموحات السوريين أنفسهم، بل وأكثر من ذلك جعلها تكليفا وتشريفا لكل مواطن سوري يستطيع أن يترك بصمة مختلفة تسهم فيما يبتغيه الكل من تطوير يصب في مصلحة السوريين ودولتهم، لانتشال الذات مما هي فيه من حال..
ولعل ما قاله وحفَّز عليه سيادته في هذا المقام خير دليل على ضرورة مساهمة الكل في النقاش الهادف، قال:” قد يسأل البعض، كنا نتوقع أن نسمع من الأمين العام إجابات عن هذه الأسئلة التي طرحها.. إذا أعطيت إجابات وآراء الآن فهذا يعني أنني أقوم بقطع الطريق على النقاش، وأنا هنا اليوم لكي أطلق النقاش لا لكي أقطع الطريق على النقاش، هذا أولاً، ثانياً القضايا الكبرى التي تمس المواطنين لا تبنى على رأي أمين عام أو رئيس جمهورية أو رئيس حكومة أو قيادة حزب أو حكومة.. هذه المواضيع بحاجة لإطلاق حوار واسع أولاً على المستوى الحزبي بكل مستوياته، وثانياً على المستوى الوطني، عندها يمكن لأي شخص فينا أن يعطي رأيه ويتخذ القرار الصحيح”.
فبدءاً من الاشتراكية، التي أكد أنها هويتنا الاقتصادية، مبينا أنها العدالة الاجتماعية، هي اليوم بانتظار أن نحدد ما هو النموذج الذي يناسبنا لتحقيقها، والذي يمكننا من مواجهة الظروف الراهنة التي نعيشها والتقدم إلى الأمام وتحقيق خروقات في مجالات نعتبرها أولويات بالنسبة لنا، وخاصة في المجال الاقتصادي”، ولذلك دعا سيادته للمشاركة والمساهمة في تجسيد مفهوم الاشتراكية، بما يضمن أن تحقق العدالة الاجتماعية، عبر اقتصاد السوق الاجتماعي الذي يراعي مصلحة الكل ويخدم مصلحة الكل ويحقق آمال الكل، من دون إقصاء لأحد أو أن يكون على حساب شريحة..
وهذا ما أوضحه سيادته حين قال: “إن الاشتراكية تطرح علينا سؤالاً كحزب، وهو متى ينطلق النهج الاقتصادي لحزب البعث من الأيديولوجيا؟ ومتى ينطلق من القواعد الاقتصادية؟ بمعنى: هل هناك توافق بينهما أم هناك تناقض؟ أم هناك حل وسط نستطيع أن نؤدي الجانب أو نعتمد أو نستند إلى الجانب الأيديولوجي وبنفس الوقت القواعد العلمية الاقتصادية؟”.
ويرفع سيادته من المستوى الفكري والعملي حين يوضح متسائلا عن حقيقة وإمكانية “قدرة الاقتصاد على تحمل القواعد الأيديولوجية من دون أن يكون منهكا وخاسراً بشكل عام؟”، لافتا إلى ضرورة التوازن حيث “الأيديولوجيا هي أساسية في نهج حزب البعث لا يمكن التخلي عنها، وعندما نقول أيديولوجيا فهي الاشتراكية وهي الجانب الاجتماعي كما قلت أيضاً، ما هو التوازن بين الجانب الاجتماعي والجانب الاقتصادي؟ الحقيقة كلها أسئلة حول عنوان واحد ولكن يجب أن نراها من كل الزوايا، لأننا عندما نتحدث عن التوازن بين القواعد الاقتصادية والقواعد الاجتماعية فهذا يعني أن نسير بخط دقيق لا يكون فيه الجانب الاقتصادي مجرداً على حساب المجتمع، لأننا في هذه الحالة سوف نتحول إلى حزب رأسمالي، ولا يمكن أن يسير بالعكس باتجاه الجانب الاجتماعي بشكل مجرد، لأننا عند ذلك سوف نكون دولة مفلسة، لذلك أتحدث عن كل هذه العناوين لكي نصل إلى نقطة التوازن بين الأيديولوجي وبين الاقتصادي”.
وفي رؤيته للدولة وكيفية العلاقات الاقتصادية فيها ونتائج تلك العلاقات وإلى ماذا يجب أن تفضي، يقول سيادته”: الدولة التي يحكمها حزب البعث هي دولة لكل أبنائها، فإذاً ما هو البرنامج أو النهج الذي يمكن أن يتبناه حزب البعث ويعبر عن تقاطع المصالح بين مختلف الشرائح، وليس تناقضاً، يعني الشرائح تربح مع بعضها البعض، وليس شريحة تربح على حساب الأخرى، فالفقيرة عملياً هي قوة شرائية، إن لم يكن وضع الفقراء والشريحة الوسطى جيداً لا يمكن للاقتصاد أن يتحرك، وميسورو الحال وأصحاب رؤوس الأموال هم القادرون على خلق فرص عمل في البلد، فإذاً علينا أن ننظر إلى الطبقة الكادحة أو الفقيرة نظرة اقتصادية قبل أن ننظر نظرة اجتماعية، لأن النظرة الاجتماعية تحول الحزب إلى العمل الخيري، أما النظرة الاقتصادية فهي تحوله إلى العمل الاقتصادي الذي يحقق مصلحة هذه الشريحة ويحقق مصلحة المجتمع بشكل عام ويحقق مصلحة الدولة بنفس الوقت”.
منهج في التحليل والاستقراء والتقويم البحثي العلمي والعملي المختلف في مقارباته والمدعوم بالتجارب والخبرات، اعتمده سيادته كخارطة ودليل عمل واضح، لنستند عليه ونسير في هداه بخطى مدروسة وواثقة لنتمكن من وضع السياسات والخطط والبرامج الكفيلة بإحداث التغيير المنشود المرتكز على أسس ومنظومات عمل وبنى تشريعية وقانونية ومؤسساتية تستوعب وتدعم توجهاتنا المستقبلية في كل أوجه النشاط الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وصولا لسورية التي نستهدفها ونستحقها: أيدلوجيا وحزبيا، اقتصاديا واستثماريا، فكريا وعلميا وثقافيا..
Qassim1965@gmail.com