“المدينة الفاضلة” ومعاناة المهمشين ضمن عروض المسرح الجامعي
ملده شويكاني
حاويات قمامة مختلفة الأحجام، ودواليب مهترئة متراكمة، وأكياس كبيرة لجمع النفايات بعد فرزها على خلفية جدار حجري.. هذه المشهدية التي اختارتها الممثلة والمخرجة رغداء جديد لتكون سينوغرافيا بسيطة للعرض المسرحي “المدينة الفاضة” الذي قدمته فرقة جامعة تشرين- من إعدادها وإخراجها، وتأليف عباس الحايك- على مسرح الحمراء في دمشق ضمن عروض مهرجان مسرح الطلاب الجامعي بدورته الثامنة والعشرين باسم الاتحاد الوطني لطلبة سورية.
ويدور العرض حول أربعة شبان مهمشين ارتبطوا بهذا المكان “المزبلة” ـ ليصبح عالمهم الذي يحلمون به ـ بنسيج اجتماعي واحد يقف في وجه الغريب، ويعيشون على نبش القمامة التي تكشف عالم المجتمع المخملي، ومن خلال الحوارات الدائرة يتطرق النص إلى مسائل اجتماعية تتعلق بالمقارنة بين عالم الأغنياء والفقراء ووجود المهمشين الذين يبحثون عن الثقافة الملتزمة الهادفة في عالم الماديات، لينسحب النص إلى مصادرة الحريات وإلى أخطاء الصحافة بالسيطرة على الأقلام وفق مزاجية القائمين بالعمل، وإلى صعوبة التعامل مع دور النشر، والأكثر خطورة هو استهتار المجتمع وقبوله الثقافة المزيفة بأنواعها.
اشتغلت جديد على أداء الممثل بشكل خاص، ولم تتعمد إدخال الموسيقا إلا في مواضع تتبع المشهد مثل الاحتفال في الليل على ضوء القمر، وبالمقارنة بين الأغنيات الهابطة وبين الراقية بصوت فيروز، وأقحمت بالحوار حكاية الدكتور سالم لتتطرق من خلالها إلى الحب الرومانسي وإلى الزواج التقليدي من دون حبّ، وإلى نظرة المجتمع إلى المطلقة، على الرغم من أنها لم تعد الآن مشكلة اجتماعية كما كانت، ولم تخلُ الحوارات من الطرفة.
الفاصل في بالعمل بذروة الحبكة وتصاعد الأحداث بفكرة الصراع من أجل البقاء والارتباط بالمكان، حينما يأتي الزبال ويكتشف وجود المهمشين الذين يفرزون قبله النفايات والعبوات المعدنية ولا يتركون له شيئاً يعينه على قسوة الحياة، شخصية الزبال توظّف أيضاً ضمن السياق الدرامي للنص بالبوح بعذاب وقهر الفقر.
ويصرّ الزبال على مغادرة المهمشين المزبلة التي وجدوا فيها الملجأ الذي يجمعهم ويحميهم من الجحيم في الخارج، ويتصاعد الصراع لتترك المخرجة النهاية مفتوحة تثير قراءات متعددة تتبع لذهنية المتلقي.
في العمل أيضاً وحدة صغرى ضمن الوحدة الكبرى حينما فكر المهمشون بتقديم مسرحية بينهم يقومون ببطولتها، تقوم على المونودراما وعلى المسرح الملتزم الذي يرفضه أحد المهمشين.
كما يدور حوار حول التطرف والاختلاف بالرأي بين من يعمل على قمع المرأة في ظل المجتمع الذكوري، وبين من يؤمن بأن الحياة تُبنى بالتشاركية بين الرجل والمرأة.
لاقى العرض صدى إيجابياً من قبل الجمهور الكبير للطلبة بشكل خاص، ما يدل على شغفهم بالمسرح ومتابعة ما تقدمه الفرق من جامعات سورية.
وبعد العرض تحدثت “البعث” مع المخرجة والممثلة رغداء جديد، التي أشارت إلى أن المسرح الجامعي يعود إلى دمشق للمرة الأولى بعد سنوات، وبعد أن قدم دورته السابعة والعشرين في حمص عام 2022، ومن ثم توقف من أجل حادثة الزلزال في عام 2023 ليتابع هذا العام في دمشق، وأضافت: “عملتُ بالمسرح الجامعي مذ كنت طالبة في الجامعة عام 1986 واشتغلت بالإخراج منذ عام 2007 من خلال ورشات ممثل، ونتاج الورشات كان يقدم عروضاً مسرحية، لكنني لا أقدم نفسي مخرجة حتى الآن، إنما ممثلة على الرغم من أنني أخرجت أعمالاً عدة وبعضها نال جوائز، وفي المهرجان الماضي أخرجت عملاً “ليته كان تابوتاً” لإسماعيل خلف، كما كنت قبل المهرجان الماضي مشاركة كمشرفة على عرض جماعي من إخراج الطلاب.
وعن عملها بإعداد النص لعرض المدينة الفاضلة، عقبت بأنها قامت بإعداد النص بما يناسب قدرة أداء الممثلين والجو العام، وفيما يتعلق بالشخصيات والحوار، وألغت شخصية.
أما عن السينوغرافيا فاختارتها بشكل يتبع محور النص المتعلق بالمزبلة وبالبرجوازيين الذين يرمون قمامتهم فيها، فمن الطبيعي أن تظهر أناقة على خلفية الحاويات وليس كما هو موجود في أماكن الحاويات.
وحول بعض العبارات مثل “المزبلة هي مدينتنا الفاضلة” التي ربما تسيء إلى المدينة الفاضلة التي حلم بها أفلاطون والتي يحكمها الفلاسفة بالمثاليات، أوضحت بأنها رمزية وظّفها الكاتب، وأشارت إلى أن العمل ذاته عُرض ضمن عروض المسرح الجامعي منذ أكثر من خمسة عشر عاماً من قبل ممثلين طلبة آخرين.
وعن العنوان المدينة الفاضلة، بيّنت أن الكاتب يرى بأن المهمشين الذين يعانون الحياة وجدوا في هذا المكان مدينتهم الفاضلة.