بأشياء بسيطة يمكن دعم بعضنا البعض.. طالب جامعي يفتح مكتبة لمساعدة زملائه
ميادة حسن
تحتاج الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي نمر بها إلى الكثير من العطاء غير المشروط والمساهمة من قبل جميع شرائح المجتمع لتقديم العون وتخفيف أعباء وثقل الحياة على المواطنين، فتطوير المجتمع وتحسين الأوضاع المعيشة ليس من اختصاص الحكومة فقط بل هي مسألة مجتمع متكامل يتعاون فيما بينه على خلق الأفكار والابتكارات التي من شانها المساهمة إيجاد الحلول والسبل التي تنمي حس المسؤولية الاجتماعية، فالمبادرات الفردية رغم بساطتها إلا أنها تستطيع إحداث الفرق الإيجابي في محيطها، وهناك العديد ممن كان لهم مبادرات إنسانية تميزت بالنجاح والاستمرار والتطور في عملها وكان لها الناثر الإيجابي في نقل تلك الأفكار إلى أشخاص آخرين يقدمون مبادراتهم الإنسانية في مجتمعاتهم، فعمل الخير مُعدٍ وينتشر بسرعة في المجتمع.
تجربة ناجحة
رغم أن المبادرات الإنسانية ليست مشروطة بظروف اقتصادية واجتماعية متعبة إلا أنها مهمة جداً وأكثر ضرورة في تلك الظروف، هذا ما دفع الشاب عامر اليوسف، طالب اللغة العربية في كلية الآداب بجامعة البعث، صاحب مكتبة، لإطلاق مبادرة لمساعدة الطلبة الفقراء لتجاوز هذه الأوضاع الاقتصادية.
يوضح يوسف لـ “البعث” أن معنى هذه المبادرة لم يقتصر على تلبية الحاجات المادية للطلبة فقط، بل الأهم هو نشر فكرة المساعدة والتعاون بين الزملاء الطلبة، مشيراً إلى أن العمل بالمكتبة ليس مادياً بحت، بل إنساني لذلك لم نتفاجأ أنا والعاملين بالمكتبة بزيادة الإقبال عليها، وهذا ما دعانا لتوسيع المكان لتزيد نسبة المستفيدين من كافة تخصصات كلية الآداب وباقي التخصصات الأخرى.
موارد المبادرة
وبالسؤال عن موارد المكتبة قال: “ما نقص مال من صدقة” فمشكورون أهل الخير، ممن يرغبون بالمساهمة في تقديم العون والمساعدة، فقد جاءنا داعمون ومتبرعون كثر ليس فقط مادياً، بل بالجهد الشخصي من خلال طباعة أو تنضيد المحاضرات من قبل أشخاص يعملون عملا مكتبيا، وهذا ما مكننا من المحافظة على نهج المساعدة وتقديم الخدمات بنصف القيمة أو مجاناً، مشيراً إلى أن عدد المستفيدين بلغ مئة طالب وطالبة، وهناك تنسيق مع الهيئة الإدارية للكلية، حيث تساعد بتسجيل أسماء الطلبة المحرجين بتقديم أسماءهم، وبيّن اليوسف ان هناك الكير من الطلبة المقتدرين مادياً يساهمون في دعم المكتبة ما يجعلها قادرة باستمرار على تأمين كل المحاضرات وأسئلة دورات وغيرها من مستلزمات الحياة الجامعية.
مسؤولية جماعية
تبدو هذه المبادرات بالنسبة للبعض غير مجدية ونتائجها محدودة لا تذكر مقارنة بواقعنا الاقتصادي وسوء الأوضاع المعيشية، وهناك من يرى أن هذه مسؤولية تقع على عاتق الحكومة وليست من مهام الأفراد. وبهذا الخصوص، دعت الدكتورة رشا شعبان، الأستاذة في قسم علم الاجتماع بجامعة دمشق، إلى الخروج من النظرة السلبية، مؤكدة أن المبادرات الخيرية تنبع من الحس بالمسؤولية الاجتماعية وتعبر عن درجة الانتماء لدى الأفراد لمجتمعهم والرغبة في المشاركة الفعالة التي تحسن من بيئة المجتمع، مشيرة إلى أن المواضيع التنموية لا ترتبط فقط بالمهام الحكومية بل هي مهمة الجميع، وتنتج من خلال وعي اجتماعي عند الأفراد لبعدها الإيجابي والمتطور الذي ينعكس على المجتمع، وبينت أن تنمية هذه الفكرة هو مبدأ يجب أن ينشأ عليه الطفل أي محبة الوطن والانتماء والشعور بالمسؤولية.
وتضيف الدكتورة شعبان: كنا في مرحلة سابقة نعزز فكرة العمل التطوعي والمبادرات الإيجابية من خلال المنظمات الشعبية ونشاطاتها المدرسية كحملات تنظيف الشوارع ودهن الأرصفة وزراعة الأشجار في الأماكن العامة وغيرها الكثير من النشاطات التي كانت تعزز فكرة الانتماء، أما في هذه المرحلة للأسف نجد العديد من العبارات السلبية التي يتخذها الكثيرون والتي تقلل من أهمية المشاركة المجتمعية، مشيرة إلى هذه النظرة السلبية والفوضى سببها الحرب، حيث سادت ثقافة اللامبالاة كنمط حياة عن البعض، حيث انتشرت عبارات مثل “مو شغلتي”، أو عبارة “ما دخلني”، وحتى “أنا لا أقدم ولا بأخر”.
الكل معني
وبرأي الدكتورة شعبان فنحن جميعا معنيون بتقديم المسعدة والعون قدر المستطاع لأننا جزء من هذا المجتمع وما يوجد فيه من خير سينعكس على الجميع، ففكرة الخلاص الفردي خاطئة والحقيقة أن هناك خلاص للمجتمع وهي عملية تفاعلية، فإذا كان المجتمع بخير أنا بخير وليس العكس، فوجود الشخص يعني وجود المجتمع، حتى فكرة الربح يجب أن تأتي من النظر إلى مشاريعنا بأنها تنموية وليست تجارية محضة، علما أن العمل الخيري أهدافه إنسانية ويخلق الروح التنافسية في المجتمع. أخيراً لابد لنا من نشر الوعي الاجتماعي الذي يحتضن مبدأ المسؤولية الاجتماعية وتعزيز الانتماء ليس عملية سهلة هي مسؤوليتنا اتجاه المجتمع، فالمبادرات الفردية تنمي الكثير من الحالات، وفي النهاية يكون الانتصار على الحروب والكوارث من خلال وعي اجتماعي وتأثير الأشخاص الفاعلين بالوطن والأفراد الذين يحملون إحساس بالمسؤولية، فالتفكير الأناني والشح الإنساني هما عدوا القيم الاجتماعية وعقل الوفرة هو الفعل المنتج الذي يعطي دون مقابل بحيث تعم الفائدة على الجميع بالتخلي عن الأنانية والتمسك في العطاء الأخلاقي المتجذر في سلوكياتنا.