ثقافةصحيفة البعث

مؤلّفات منسيات في موسيقا الحجرة

ملده شويكاني 

“بينما بالنسبة إليك، يجب أن تكون مجرد زخرفة أو إضافة، وليست أصل كيانك ووجودك”، هذا ما كتبه والد “فاني مندلسون” إلى ابنته “فالي” شقيقة “فيليكس مندلسون” عندما طلبت من والدها امتهان الموسيقا مقتدية بتجربة أخيها، وهذه الرسالة تختزل الفيلم التوثيقي الذي عُرض في دار الأوبرا، ويدور حول معاناة النساء الموسيقيات في القرن التاسع عشر وعدم إنصافهنّ في دخول عالم الموسيقا، وخاصة التأليف والاقتصار على العزف كنوع من الترفيه الاجتماعي، فلم يتمكنّ من الحصول على فرص التأليف والأداء على المسرح، وكنّ يعاملنّ بشكل غير متساوٍ مع الموسيقيين في المعاهد الموسيقية.
وكانت المؤلّفات الموسيقيات غالباً ما يشتهرن بلقب شقيقة أو زوجة مؤلف ما، ويعود ذلك إلى القيود الاجتماعية السائدة آنذاك، وعلى الرغم من ذلك تمكّن بعضهن من ترك بصمة بالموسيقا الكلاسيكية في عالم التأليف الموسيقي والأداء والتدريس والعزف.
فكان الفيلم التوثيقي تمهيداً لفكرة الأمسية الموسيقية لموسيقا الحجرة لأعمال مؤلّفات من القرن التاسع عشر، بمشاركة خمس موسيقيات بعضهن يدرّسنّ في المعهد العالي للموسيقا، وهنّ راما نصري ـ بيانو، وراما البرشة ـ فيولا، وماريا شاهين – تشيللو، وليالي الشوفي- كمان، وسميّة أبو الفضل- كمان، عزفنّ ثلاثة أعمال موسيقا الحجرة لثلاث مؤلفات موسيقيات من القرن التاسع عشر بين البيانو والتشكيل الوتري، والملفت أن هذه الأعمال تعزف للمرة الأولى في سورية في دار الأوبرا بحضور وزيرة الثقافة د. لبانة مشوّح.
وتبنى موسيقا الحجرة على التحاور بين عدة عازفين وعازف على بعض الآلات ضمن صالون أوغرفة، وكانت تُسمّى بموسيقا الأصدقاء للتناغم والانسجام بين العازفين.
وقد تميزت الأمسية ككل بلمسة نسائية انعكست على سحر المقطوعات بدت برقة الألحان وانسيابيتها بشفافية بعيداً عن الزخم الموسيقي القوي والصخب الموسيقي، ولاسيما للبيانو- راما نصري- الذي كان له الدور الأول بالتحاور مع بقية الآلات وبالبدايات حيناً وبالصولو في مواضع، كما تميز دور الكمان، وكذلك التشيللو، بالإضافة إلى جمالية القفلات التي شدّت جمهور الأوبرا.
بدأت الأمسية بعمل “ن . لاكو” الاسم الموسيقي (1927-1839) وكانت ناشطة اجتماعية بعمل سيرناد بيانو تريو ـ قطعة واحدة- من مقام د. فلات ماجور، بالتحاور بين الكمان ـ سمية أبو الفضل، والفيولا ـ راما البرشة – مع البيانو ـ راما نصري، بألحان شاعرية تصاعدت في مواضع مع البيانو.
وكان العمل الثاني الأكبر للمؤلفة “لوسي أدولفا لي بيو” (1927- 1850) بيانو كوارتيت إن .إف. مينور، والمؤلف من أربع حركات – سريعة ومرحة – حيوية – مازوكا- سريعة – الحيز الأكبر من الأمسية بانضمام كمان ثان – ليالي الشوفي- والتشيللو – ماريا شاهين- ومنذ البداية كان لحن البيانو أكثر حيوية بتكثيف وتري للتشكيل الوتري، وتخلله صولو صغير للبيانو، وتتصاعد الألحان وتتباطأ تبعاً للحركة، وحملت الحركة الأخيرة تغيّراً بارتفاع درجة صوت البيانو مع الامتدادات الوترية بتحاور صوتين بأفكار مختلفة.
أما العمل الثالث فكان للمؤلفة “إفيردا آندري” (1929-1841) وكانت ناشطة سياسية، بيانو كوانتيت إن- إي مينور، بالتحاور بين التشكيل والبيانو بدور التشيللو بصوته الرخيم في هذا العمل، والمؤلف من ثلاث حركات، سريعة ومرحة، – بطيئة بتدرج- سريعة وقوية.
ولاقت الأمسية تفاعلاً من جمهور الأوبرا وإعجاباً بفكرة الأمسية بالإضاءة على دور موسيقيات القرن التاسع عشر بالتأليف إلى جانب العزف والأداء.