ثقافةصحيفة البعث

تراسل وتناص بين أدباء أصدقاء في المنتدى الثقافي العراقي

ملده شويكاني

التراسل بين الأصدقاء الأدباء الثلاثة الذين تآلفت مساراتهم الأدبية وإن اختلفت بالأساليب والخصائص، الشاعر العراقي طلال الغوار والشاعر والكاتب السوري الدكتور نزار بني المرجة والفنان التشكيلي والقاص السوري أحمد عساف، في أمسية أدبية وغنائية في المنتدى الثقافي العراقي، يصّب بالعلاقة الأخوية والثقافية بين دمشق وبغداد التي وثقّها التاريخ، بحضور رئيس المنتدى الدكتور محمود شمسة وإشراف منى هيلانة أمين سرّ قيادة قطر العراق، وعدد من الشعراء والإعلاميين والمهتمين، وقد قدمت الشاعرة رود مرزوق لمحة تعريفية عن الأصدقاء بالفواصل، بالإضافة إلى تقديمها الأمسية التي هيمن الحبّ على أجوائها.

ولم تقتصر الأمسية على التراسل فقط، إنما اتسمت بالتناص وبتقاطعات بين الأدباء الأصدقاء تلتقي برمزية الشجرة والفأس والنهر، لتعكس مقاومة الوطن والدعوة إلى الحبّ.

فقرأ الغوار الذي اعتاد على المشاركة بأمسية من أماسي المنتدى أثناء زيارته وطنه الثاني سورية قصائد متنوعة بين القصيدة العمودية والتفعيلة والنثر والومضة، بأسلوبه الذي يجمع بين الرمزية والمباشرة بالخطاب الإنساني، فبدأ بـ”واهمون”:

واهمون

أولئك الذين ينحنون

ليستأثروا بالأعالي

لقد ظلّوا بلا عناوين

ولا أسماء

حتى تحوّلت أحلامهم

إلى زواحف”

وفي قصيدة “وجد” أنموذج عن التناص الذي استخدمه الغوار في شعره عامة، إذ وظّف في هذه القصيدة التناص الشعري مع الشاعر عمرو بن معد يكرب من العصر الجاهلي، الذي لُقب بفارس العرب وصاحب الصمصامة، من قصيدته “يا أيها المغتابنا” القائل فيها:

ذهب الذين أحبهم

وبقيتُ مثل السيف فردا

فيقول الغوار في قصيدة “وجد”:

كل الذين تحبهم

ذهبوا

ومضى بطيء الريح

وعدك

فاستخدم الفعل ذهب بالمعنى ذاته، كما دلّ على الجمع بدالة (كل)،

أما قصيدة “اعتزال” فكانت بوحاً بوجع رحيل الأب يختلط بالدفاع عن الوطن، الذي يبدأ من الذات:

أبي الضرير

الذي لا شأن له

بالصباحات الجميلة

كان يدسّها

في حقيبتي المدرسية

وهو يتلمس أحلامه

في قامتي

ليقفل القصيدة حينما أفصح الشاعر عن أحلامه بالمقاومة:

وأحلامي تستند على خوذة

وقتها

أحكم أبي

إغلاق القبر

واعتزل الأحلام

كما غازلت القصائد العاطفية الوجدان والذاكرة بعناوين عشق وحبّ، منها “قصيدة حبّ”:

وجهك كان مختلطاً

بشآبيب الغيب

ورائحة الأشجار

القاص والفنان التشكيلي أحمد عساف توسط الجلسة بقراءته مجموعة من القصص القصيرة جداً، منها “حنين” و”كم كانا” و”دفتر العائلة” و”غواية التفاحط و”حذاء” و”عطر أمي” رابطاً بفنية غير مباشرة بينها وبين ريشته وألوانه بأسلوبه التعبيري الذي ينحو باتجاه التجريد في مواضع، لتتحول الكلمة إلى لغة بصرية مكثفة، وألوانه إلى كلمة فتسرب اللون الأسود إلى أسطره إيماءة إلى السخرية والتهكم من العلاقات العاطفية الموجعة وأشياء أخرى، معتمداً على إدهاش القارئ بعنصر المفاجأة في القفلة التي تأخذه إلى مكان آخر لم يكن يتوقعه، مثل قصة “وفاء”: “ـ وفاء من منا بدأ الخيانة؟

ـ أنت يا مخلص.

ـ لا أنت يا وفاء…على أي حال دعينا ننسى الماضي ونبدأ من جديد حياة جديدة وحباً جديداً.

غادرا الطاولة.. غادرا المكان.. على ناصية الشارع افترقا.. وفاء تأبطت رجلاً.. ومخلص تأبط امرأة”.

ومن جانب آخر، ارتبطت قصصه بشيء من الذاتية، مثل قصة “صباح”: “ـكنتُ أقف قبالة المرآة أرتب شعري وأتأملني طويلاً، ثم أبتسم متفائلاً.. مرة سألتني أمي لمن تسرح شعرك وأنت على عتبة النوم؟ قلتُ: لصباح جميل سيأتي.. ماتت أمي.. والمرآة تلاشت.. وذاك الصباح الجميل لم يأت بعد”.

فكانت الشخصية الغائبة أمه حاضرة بضمير الغائب والمتكلم حيناً، يعبّر من خلالها عن واقع تعيشه الأنثى وتواجهه في علاقتها مع الرجل متعدد الأهواء.

واستهل الشاعر والكاتب الدكتور نزار بني المرجة مشاركته بالتراسل المباشر مع الغوار بإهدائه هذا المقطع بعنوان طائر:

جناحان لقلب واحد

أنت عاشق للماء

وأنا عاشق للمفاجأة

أحدنا تميته النار

والآخر يميته الجليد

رصيدنا الحزن.. وانتظار الفرح

ومن ثم ألقى قصائد عدة تناولت الوطن والحب، ولعل أجملها الولع والشغف بالمدينة الخالدة دمشق بقصيدته “أحاكي الروح”، تنم عن جمالية الإيقاع بتكرار المفردة والنغمة الموزونة.

أحاكي الروح لا الجسدا

لأن القلب قد سجدا

فلا أرجو لنا بيتاً

ولا أرجو لنا ولداً

وهذا القلب ولهان

سيبقى عاشقاً أبداً

بساتين لنا عطشى

وكنتُ لها كما بردى

ويتقاطع بني المرجة مع الغوار برمزية الشجرة والوطن الذي ينهض من كل أزماته في قصيدته التي استخدم فيها التناص من رائعة أم كلثوم “سيرة الحبّ”:

كلما خلعت في الخريف

عن خصرها قميص اللحاء

سقطت أحرف وقلوب

سقطت أسهم العاشقين

مثلي أوراقها في صفرة ساحرة

لتبقى (سيرة الحبّ) بعدها

أنشودة حائرة

وبألوان الحبّ والحنين، ختمت الشاعرة رود مرزوق الفقرات الأدبية بقصيدتها التي اتسمت بمسحة عتاب الحبيب، منادية إياه بـ”يا سيد الكلمات” في قصيدتها منتهى الشوق:

يا سيد الكلمات

ماذا لو استرجعنا

جمال البدايات

لحظة استعار النبض

وتعتق الهمس

في قوارير العطر

وأزهار تربة الهوى

وثمة ترابط وثيق بين الشعر والموسيقا، فقدم الفقرة الموسيقية عازف العود والمغني معتز رسلان، مبتدئاً بوجع الحب والغناء العاطفي بأغنية موعود لعبد الحليم حافظ، أتبعها بوصلة من التراث سُبقت بموال “أفديه إن حفظ الهوى أو ضيعه”، وبناء على طلب جمهور المنتدى غنى مقتطفات من سيرة الحبّ لأم كلثوم، ليتقاطع مع قصيدة بني المرجة سيرة الحب.