دراساتصحيفة البعث

في ذكرى النكسة.. الكيان على شفا هزيمة استراتيجية

د. معن منيف سليمان

تمرّ اليوم الذكرى السنوية لحرب عام ١٩٦٧، التي أطلق عليها العرب اسم “نكسة حزيران”، والعدو الإسرائيلي يعيش حالة من التخبّط والانهيار يمكن وصفها بأنها هزيمة استراتيجية.

ففي الخامس من حزيران عام ١٩٦٧، شنّ الكيان الإسرائيلي الغاصب هجوماً عسكرياً مباغتاً على الدول الثلاث (سورية ومصر والأردن) بعد أن تزايدت العمليات الفدائية مع تصاعد لهجة التهديد العربية بإزالة الكيان الإسرائيلي، حيث قام الكيان الإسرائيلي مدفوعاً من الولايات المتحدة بحرب استباقية خاطفة من أجل وضع حدّ لأي أمل في تضامن عربي يشكل خطراً على وجوده.

بدايةً، صعّد العدو الإسرائيلي عملياته الاستفزازية ضد سورية وشرع بضرب المعدات والوسائط الآلية التي كانت تستخدم في مشروع تحويل روافد نهر الأردن والاعتداء على الفلاحين السوريين هناك، ومع تطوّر الأحداث العسكرية اتخذ الكيان تدابير عسكرية وبدأ بحشد قواته على الحدود السورية، ما دفع مصر إلى الوفاء بالتزامها بمعاهدة الدفاع المشترك الموقعة في ٤ تشرين الثاني ١٩٦٦، حيث قام الطرفان بالتنسيق والتعاون واتخاذ تدابير تنذر بقيام حرب بدأت طبولها تدق في المنطقة فعلاً.

نفّذ الكيان هجوماً جوياً سريعاً وخاطفاً استهدف المطارات العسكرية للدول العربية الثلاث التي تعهّدت بعدم شن حرب على الكيان والتزمت فيه، ما وفّر له السيطرة الجوية الكاملة طوال أيام الحرب التي دامت ستة أيام، وقد ركز العدوان على الجبهة السورية فوجّه ضرباتٍ نارية بالمدفعية والطيران على مواقع الجيش السوري، وخاض مقاتلو الجيش العربي السوري معارك ضارية في ظروف صعبة للغاية، بسبب غياب سلاح الجو والدفاعات الجوية التي تم تدميرها كلياً، وكان ذلك سبباً مباشراً في نجاح التقدم البري للعدو في الأراضي السورية.

وعلى مدار الأيام الستة، كثف الجيش الإسرائيلي بدعم أمريكي وأوروبي ضرباته الجوية على الجبهات العربية الثلاث، وتمكّن حسب دراسات تاريخية من تدمير نحو ٧٠ – ٨٠ بالمئة من العتاد العسكري العربي، بينما قدّرت خسائر العدو بنحو ٢ – ٥ بالمئة من عتاده العسكري.

لا شك في أن لعنصر المفاجأة دوراً كبيراً في إلحاق خسائر كبيرة في العتاد والأرواح في صفوف الطرف العربي الذي لم يكن مستعداً وغير معبّأ للقتال، حيث حسم سلاح الجو الإسرائيلي المعركة في زمن قصير للغاية، وبدعم ومساندة مباشرة من الولايات المتحدة والدول الأوروبية.

وكانت الثقة العربية بعدوّ بنى فكره العدواني الاحتلالي على أيديولوجية دينية تحرم عليهم أن يقطعوا عهداً أو ميثاقاً مع الشعوب المجاورة التي يعدّ العرب امتداداً لها، وهذا ما أوقع العرب في سوء التقدير بوجود نيات هجومية لدى الكيان.

لقد أسفرت الحرب عن استشهاد أكثر من ٢٥ ألف عربي، وإصابة نحو ٤٥ ألفاً، مقابل ٨٠٠ قتيل إسرائيلي وإصابة ٢٠٠٠. وخلال هذه الحرب الخاطفة احتل الكيان الإسرائيلي مناطق شاسعة من الأراضي العربية شملت الضفة الغربية وقطاع غزة، وشبه جزيرة سيناء، ومرتفعات الجولان السورية، كما ترتب على ذلك تهجير نحو ٣٠٠ ألف فلسطيني من الضفة الغربية وغزة.

وفضلاً عن ذلك، حقق الكيان الإسرائيلي مكاسب جديدة عسكرية وتاريخية ودينية واقتصادية مكّنته من السيطرة على المياه العربية وتأمين حواجز طبيعية لحماية عمقه الأمني ضد هجمات عربية أو فلسطينية في المستقبل، وترسيخ مبدأ القوة في التوسّع على حساب العرب ونهب مواردهم الطبيعية.

ولكن على الرغم من فداحة الخسائر وتبعات النكسة السلبية على العرب، إلا أنها أيقظت الشعور القومي العربي ونبّهت إلى ضرورة إزالة آثار النكسة من الوجدان العربي، ما دفع القوات العربية للتحرّك بسرعة لإعادة تنظيم قدراتها وتوظيف إمكاناتها، حيث استطاعت خلال سنوات قصيرة أن تعود أقوى مما كانت عليه قبل الحرب، وأصبح العربي أكثر تصميماً وعزيمة على متابعة النضال والمقاومة فكانت حرب تشرين التحريرية عام ١٩٧٣، بعد أن قيّض لسورية قيادة وطنية مناضلة جديدة تمثلت بالرئيس حافظ الأسد الذي أكّد وحدة الصف العربي وضرورة التنسيق بين الدول العربية ودعم المقاومة كحل ناجع لتحرير الأرض وإزالة الاحتلال.

واليوم، وبسبب عملية طوفان الأقصى المباركة، يتعرّض الكيان الإسرائيلي إلى نكسة غير مسبوقة في تاريخه منذ قيامه على أرض فلسطين عام ١٩٤٨، حيث فقد الكيان في غضون ثمانية أشهر مكانته الدولية المميزة، فتغيّرت صورة “إسرائيل” في العالم بعدما انقلبت رأساً على عقب وأصبحت الرواية الفلسطينية هي الرائجة، و”إسرائيل” الآن في طريقها إلى التدهور بسبب عدم الاستقرار الداخلي وتراجع الاقتصاد والهجرة العكسية وانقسامات في الحكومة، ما يشكّل أكبر عملية انهيار سوف تحصل في مرحلة قريبة.

إن تصاعد عمليات المقاومة من كل الاتجاهات داخل وخارج فلسطين المحتلة وتزايد هجماتها، والخسائر التي مُني بها الجيش الإسرائيلي لكون الإخفاق يطارده، فضلاً عن عوامل الانقسام والإرهاق وحالات الانتحار بين جنوده، كل ذلك يشير إلى أن الكيان الإسرائيلي على شفا هزيمة استراتيجية.

ولقد لخّص ما يسمّى وزير العدل الإسرائيلي السابق “حاييم رامون” حالة الكيان في هذه الأيام بقوله: “إن المقاومة الفلسطينية صامدة بكل مناطق قطاع غزة ونحن على شفا هزيمة استراتيجية”.