بعد أن كان حكراً على الرجال.. “نحّالة” تحجز لمنتجاتها بصمة و”اتحاد النحّالين السوريين” قيد المناقشة
ليندا تلي
كما تزور النحلة آلاف الأزهار للحصول على كيلوغرام واحد من العسل، كذلك الحال عند الحديث عن مهندسة زراعية تحدّت الأقاويل والانتقادات التي انهالت عليها من كل حدب وصوب بتهمة أن مهنة النحال خاصة بالرّجال دون النساء، وأنها مُتعبة وتتطلب جهداً كبيراً، إلا أن عسل “شامية” حجز لمنتجاته الأصلية مكاناً بين صنوف العسل السورية التي وصل صيتها إلى دول الجوار والعالم. كثيرات هنّ من يمتهنّ هذه المهنة، فهي أحد اختصاصات كلية الهندسة الزراعية، وأغلب الطلاب يتوجّه لدراستها وممارستها على أرض الواقع وفق ما ذكرت المهندسة الزراعية رانيا شامية التي عملت لدى عدّة نحّالين كمتدربة بغية البحث عن مصدر رزق ومحبّةً منها للغوص في بحر دراستها الجامعية، حيث كانت تتدرّب وتقوم بإعلان المنتج وتسويقه واليوم تملك منحلة و”براند” باسمها.
أمّيون مهرة
يمكن لأي شخص أن يعمل بهذا المشروع، إذ ليس من الضروري أن يكون خريج هندسة زراعية ليعمل نحّالاً وفق شامية التي تقوم بإجراء كورسات تدريبية لأشخاص مبتدئين يريدون العمل كنحّالين، لافتة إلى وجود شروط معيّنة من أجل القيام بالعمل كنحّال مثل توفر المراعي والمياه وأن يكون بعيداً عن السكان، ومن الضروري توفر خبرة مكتسبة إمّا من خلال الكورسات التدريبية وإما عبر التدريب لدى نحّال، ونوّهت شامية بأنّ نسبة كبيرة من النحّالين أميون ويتمّ تعليمهم الممارسة، حيث يقوم النحّال بشراء الخلايا الخشبية التي تحوي طرود نحل، إضافة لاقتنائه بدلة، وقفازات، وقبّعة، وجزمة، وعتلة “قطعة حديدية”، والمدخّن وأدوات معيّنة يتم شراؤها من الصيدلية الزراعية.
علاجي
وفي سياق حديثها لـ”البعث” تقول شامية: يوجد للعسل ومنتجات النحل الأخرى مثل “غبار الطلع، العكبر، الغذاء الملكي، سم النحل” استخدامات طبية كثيرة منها علاج الأمراض المتعلّقة بالجهاز التنفسي “الكريب، السعال، الربو، الحساسية” وكذلك أمراض جهاز الهضم “الكولون العصبي، جرثومة المعدة، القرحة”، ولفتت شامية إلى أن العسل مع خلطات من منتجات النحل والاستمرار بها يمكن أن تعالج مشكلة عدم الإنجاب عند الرجال والسيدات، وكذا الأمر لمعالجة القدرة الجنسية أو عدمها. روح صغيرة أما فيما يخصّ حياة النحل فهي، والكلام لـ شامية، بسيطة جداً، ولكن يمكن الانتباه إلى أنها روح صغيرة ويجب العمل معها بهدوء ونظافة تجنّباً للجراثيم وأمراض النحل، باعتبار أن النحل يسرح ويجمع الرحيق وينقله من نحلة إلى نحلة حتى يضع أنزيماته من خلال معدة العسل، إذ إن الأنزيمات هي فائدة العسل ويتم وضعها بعيون سداسية داخل الخلية، وبعد ذلك يتكوّن شمع العسل ومن ثمّ العسل كاملاً، وبعد ذلك يقوم النحّال بفرزه وعصره بأجهزة خاصة.
معلومات مغلوطة
وأكدت شامية أن كل الطرق المتداولة لكشف العسل الأصلي من المغشوش خاطئة بعد أن قامت بإجراء تجربة على عسل مطبوخ وعسل من المنحلة وانطبقت عليه كل الاختبارات سواء كان العسل يقطع أم لا، أو ينحل بالماء ويشكّل عيوناً سداسية أو الحرق أو غيره، ولكن للأسف الاختبارات انطبقت على كلا النوعين، وبالتالي هذا ليس دليل جودة أو عدمها، لافتة إلى أن التحليل المخبري بنسبه يكشف جودته من عدمها، ونصحت في سياق حديثها بأن يتم شراء العسل من نحّال موثوق، أو أن يقوم الشخص بتجريب العسل مدة عشرة أيام في حال لمس تحسّناً أو علاجاً لمشكلة لديه فهو يعدّ أصليّاً. أما مشكلة التجمّد فقد أرجعتها شامية إلى انخفاض درجة الحرارة، وهي أيضاً ليست دليل جودة أو غش، فخلال فصل الشتاء يتجمّد وأحياناً لا يتجمّد، وهو أمر يعود إلى النسب الموجودة في رحيق كل زهرة، ويعود لأسباب علمية كثيرة.
اتحاد النحالين
الدكتور بسام نضر رئيس الجمعية النوعية لتربية النحل بيّن أن هناك ستة جمعيات كبرى متخصّصة تتبع للجمعية المركزية لتربية النحل التي تتبع بدورها للاتحاد العام للفلاحين، وتقدّم خدماتٍ إرشادية فنية وأحياناً صحية وتربوية للنحل، ليس هذا فقط بل هناك أكثر من 42 جمعية فلاحية متخصّصة في تربية النحل على مستوى المناطق والقرى، ولكنها لم تنضمّ للجمعية المركزية لأسباب مادّية وتتبع للاتحادات الفرعية بالمحافظات. وإضافة إلى الجمعية النوعية المتخصصة هناك جمعية النحّالين السوريين وهي تتبع لنقابة المهندسين الزراعيين وتقدّم محاضراتٍ بشكل دوري، وهناك لجنة مربّي النحل المركزية ولها لجان على مستوى المحافظات وتتبع لاتحاد الغرف الزراعية السورية وهي تمثّل القطاع الخاص، ولجنة طبّ وصحة النحل تتبع لنقابة الأطباء البيطريين وقد أسّست حديثاً، وهناك دائرة النحل في مديرية وقاية النبات التي تتبع لوزارة الزراعة والإصلاح الزراعي تشرف على كل نشاطات الجمعيات والاتحادات والمنظمات التي تعمل في مجال صحة النحل، ومؤخراً صدر مرسوم بتأسيس اتحاد النحالين العرب -أمانة سورية- ويتبع لجامعة الدول العربية ومن خلاله تمّ التعاون مع وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي والمنظمات الدولية لتقديم مساعدات للنحالين المتضررين بعد الأزمة، حيث فقد القطر ما يقارب 75 بالمائة من أعداد طوائف النحل، وقد تمّ تقديم المساعدات على مدار 5 سنوات على مستوى المحافظات متضمّنة ثلاث خلايا نحل ومستلزمات إنتاج من خلايا وأدوات وبدلة نحّال وسلّة غذائية حتى يستطيع النحّالون استئناف نشاطهم وعملهم ما ساعد على نموّ الثروة النحلية من جديد والنهوض بها. وباعتبارنا جمعية مركزية في سورية، والكلام لـ نضر، نقيم ندواتٍ شهرية على مستوى القطر يتم خلالها مناقشة قضايا الساعة من أمراض إلى وقاية وعلاجات، أي كلّ ما يستجد في عالم النحل، وتشارك الجمعية في معارض النحل المحلية والعربية، وشاركت في معرض بعلبك الدولي على مدى دورتين سابقتين قبل الأزمة.
مشاريع نحلية
ولفت نضر في معرض حديثه إلى أن وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي لها مشاريع نحلية على مستوى المحافظات تصبّ في خدمة النحالين، وهي عبارة عن أعداد من طوائف النحل الهدف منها إنتاج الطرود وبيعها للأعضاء تعاونياً بأسعار رمزية أو أقل من التكلفة أحياناً، كما لدى الوزارة مناشر تمت إعادة إحيائها بعد الأزمة وتقوم حالياً بإنتاج خلايا النحل الخشبية وبيعها للأعضاء أيضاً بأسعار التكلفة، كما قامت بإنشاء وإعادة إحياء المحميات على مستوى القطر لدراسة تحسين سلالة النحل السوري.
بدورها تتعاون الجمعية المركزية لتربية النحل مع وزارة الزراعة وهيئة البحوث العلمية وجامعة دمشق “كلية الزراعة” ومنظمة أكساد ومكاتب الهيئات العامة في مجال تربية النحل بغية رفع مستوى النحّالين وتقديم أحدث مستجدات عالم النحل لما يعنيه للنحالين من إنتاج وتسويق عسل وفق نضر الذي لفت إلى أنه وبغية النهوض بعمل الجمعيات شكّلت وزارة الزراعة لجنة استشارية خاصّة بالنحل تتبع سياساتٍ واستراتيجياتٍ تساهم في إصدار القرارات بما يخصّ النحل من صحة وتربية وإنتاج وتسويق، وحالياً تدرس اللجنة تعديل القرار 86/ت الناظم لمهنة تربية النحل بما يتناسب مع تطوير المهنة ومستجداتها في عالم النحل، وتضمّ اللجنة ممثلين عن كل الجمعيات والاتحادات والجامعات والبحوث الزراعية وقسم النحل والعاملين في هذا القطاع على مستوى القطر، وكلّ ما تراه اللجنة مناسباً في دعم عملها ونشاطها.
جمعيات إنتاجية
وردّاً على تساؤلنا لمَ لا تنضوي تلك الجمعيات تحت مسمّى موحّد قال نضر: هناك اقتراح قيد المناقشة لدى وزارة الزراعة بتوحيد الجمعيات واللجان على مستوى القطر تحت مسمّى “اتحاد النحّالين السوريين” أو تسمية هيئة أخرى تشرف على نشاطاتها، مثلاً قد يكون الاتحاد العام للفلاحين أو وزارة الزراعة أو أي هيئة حكومية، وهناك مقترح من القيادة السياسية التي تتبع لها الاتحادات والجمعيات المتخصصة بتحويل الجمعيات الفلاحية التي تتبع للاتحاد العام للفلاحين من جمعيات خدمية وإرشادية إلى جمعيات تسويقية إنتاجية، وقد أسست أول جمعية إنتاجية تسويقية في جبلة وهي قيد العمل وستعمم هذه الفكرة على معظم الجمعيات.
ولدى الجمعية صنّاع مهرة لوسائل الإنتاج من بدلات وقفازات وأدوات نحل وكذلك خلايا خشبية، وكلّ ما يهمّ تربية النحل وفق ما بيّن نضر، مضيفاً: إنّ هناك عمّالاً لصنع أثاث الجمعية، فالجمعية خطت خطوة مهمّة بتشجيعها لإنتاج العسل والغذاء الملكي بطرق حديثة وجمع سمّ النحل بطرق ومعدات وطنية وجمع غبار الطلع والاستغناء عن نسبة من المستورد وجمع العكبر والغذاء الملكي.
واليوم أصبح القطر ينتج صناعاتٍ تجميلية ودوائية غذائية من منتجات خلية النحل كشامبو العسل وسكاكر بالعسل وكريمات، أي أن خلية النحل صيدلية متنقلة يستفيد منها الإنسان، والعسل السوري ذو سمعة مرموقة ينتظره المرضى والمحتاجون، لذلك تعدّ مادة العسل أمانة والجمعيات تشرف على إنتاج النحّالين والإنتاج يسوّق معظمه داخلياً، والآن نبحث عن أسواق خارجية من خلال المعارض والمهرجانات والمؤتمرات.
إذكاء الوعي
الجدير بالذكر أن ما يقرب من 90% من أنواع النباتات المزهرة البرية في العالم تعتمد اعتماداً كلياً أو جزئياً على تلقيح حيواني، فضلاً عن اعتماد أكثر من 75% من المحاصيل الغذائية في العالم و35% من الأراضي الزراعية العالمية عليه، وبالتالي فالملقحات مثل الفراشات والخفافيش وطيور الطنان تساهم بشكل مباشر في الأمن الغذائي، فضلاً عن أنها هي مفتاح الحفاظ على التنوّع البيولوجي كذلك، لذا حدّدت الأمم المتحدة يوم 20 أيار يوماً عالمياً للنحل، لإذكاء الوعي بأهمية الملقحات ولإبراز مساهمتها في التنمية المستدامة والتهديدات التي تواجهها.