توجيه المواطن..!
بشير فرزان
يسعى البعض إلى تعميم “ثقافة” الإحباط والفوضى ونشر الأقاويل التي من شأنها تفتيت المجتمع والترويج المشبوه لسيناريو فشل القوانين في الحدّ من التجاوزات والمخالفات، وضبط إيقاع العمل في مختلف القطاعات. وبغضّ النظر عن هذه الثقافة، تفرض الوقائع الحياتية ضرورة إلقاء نظرة إلى الأمام، وتسليط الضوء على بعض القضايا الملحّة، والتي تقدّم مؤشرات حقيقية حول واقع الناس يكشف عن حالة من عدم الانسجام والترابط بين الواقع المعيشي والتأكيدات الحكومية وعناوين توجهاتها الأساسية، وأنه لا عودة عن هذه العناوين الساعية للتغلّب على العديد من التحديات الاقتصادية كزيادة مستوى العدالة في توزيع الدخل، والتخفيف من الأعباء المعيشية، وتقديم المساعدة للأسر الفقيرة، وتوسيع شبكة الحماية الاجتماعية والتضامن الاجتماعي الوطني التي تجنّب أصحاب الدخل المحدود خطر البطالة والمرض والفقر، وتؤمّن ما يكفي من الدخل للأسر السورية التي أنهكت بشتى أنواع المصائب والتحديات.
وطبعاً كلّ ما يدور اليوم، سواء في أروقة المؤسّسات وقاعات اجتماعاتها أو في أحاديث الناس وعبر وسائل التواصل الاجتماعي يبحث عن الأسلوب أو الطريقة التي يمكن من خلالها ترجمة انعكاس هذه القرارات على يوميات المواطن ومعيشته. وهنا نؤكد على الشفافية والمصداقية كبوابة نشطة لترميم العلاقة والثقة وتقريب وجهات النظر، ومن ثم إيجاد نقاط التقاء توحّد الجهود وتدعم القرارات المتخذة، فأزمة البنزين الحالية كان يمكن استيعابها شعبياً لو كان هناك شفافية في الخطاب الحكومي، فما يُقال شيء وما هو موجود في الواقع شيء مختلف تماماً، نظراً للإمعان في تكذيب الوقائع بالتصريحات التي تجلد الحقيقة والناس!!
وما يؤلم أكثر أن الرصد الواقعي والنقل الحيّ والمباشر للحدث السعري المدوّي على مدار الساعة وخسائره المتلاحقة، على كافة الصعد المادية والمعنوية والاجتماعية الأخلاقية، يكشف عن المآسي في الحياة العامة التي تبثّ فضائح الجنون العابث بالأسواق والمدمّر للقدرة الشرائية التي وصلت إلى ما دون الصفر. وكالعادة يُكتفى ببعض البيانات والتصريحات المندّدة بهذا الواقع عبر إصدار المزيد من القرارات الدائرة في حلقات مفرغة دون أن يكون هناك أي فعل حقيقي على صعيد مكافحة الفوضى والشغب المرتكب تحت غطاء الظروف التحديات، فالمكاتب المسؤولة عن التنفيذ معطلة وخارج الخدمة وجعبتها فارغة من الحلول، ما عدا تلك المبررات والأعذار المضللة للواقع.
وبالمحصلة النهائية، بات هناك قناعة كاملة لدى الناس بأن انتظار الحلول الحكومية والاتكال الكليّ على إمكانياتها، وما تقدّمه لهم، يشكّل في هذه الأيام الصعبة انتكاسة حقيقية للجهود التي تُبذل للخروج من أزمة الواقع المعاشي الحالي، واستنفاداً حقيقياً للفرص، واستنزافاً سريعاً للإمكانيات التي تفرض بواقعها الحالي ضرورة اتباع إستراتيجية استثمارية تستفيد وتجنّد كلّ ما هو متاح في معركة الصمود ومواجهة التحديات. فهل تكثّف الجهود لتوجيه المواطن نحو التعامل الصحيح مع الحياة بمسؤولية وبأسلوب اقتصادي جديد يحتال من خلاله على واقعه ليصل في النهاية إلى ضفة الأمان؟ وهل تخرج الكثير من المؤسّسات الداعمة بمختلف تسمياتها المصرفية وتصنيفاتها من شرانق الروتين والدعم الخلبيّ إلى مرحلة العمل الفعلي والحقيقي الداعم للمشاريع والخطط الاقتصادية بمختلف توجهاتها؟