صحيفة البعثمحافظات

المشهد التنموي في الغاب تعوقه التراخيص والتشريعات المناسبة

حماة- نجوة عيدة

يكثر الحديث في الآونة الأخيرة عن استثمارات واعدة ينتظرها سهل الغاب في محافظة حماة وعلى أعلى المستويات، ويبدو أن سلة سورية الغذائية “الثانية” باتت إحدى أهم الوجهات الزراعية الاقتصادية المأخوذة على محمل الجد، ما شجع الحالمين بمنطقة اقتصادية للغاب يعودون بطرحهم للعلن من جديد.

المعجون بتربة “السهل” يدرك جيداً مدى أهميته التي مضى على الإغفال عنها سنوات، ويؤمن بأن الغاب كتف يمكن الاتكاء عليه عند المحن، وهذا ما لم “يلتقطه” أصحاب الشأن ومضت الأيام وعادت تلك البقعة للضوء مرة أخرى بعيون أوسع وبإمكانات أكبر، فهل يمكن أن يتحوّل سهل الغاب إلى منطقة زراعية صناعية خاصة أسوة بالمناطق الصناعية، هذا ما لم يستبعده الخبراء في الشأن المحلي لكن شريطة تحقيق تنمية مستدامة أولاً في السهل والتي تشوبها العديد من العقبات.

التراخيص أولاً

وسيم جحجاح مدير مكتب التنمية المحلية في الغاب أكد أن فكرة تنمية السهل وتحويله لمنطقة صناعية خاصة يمكن أن تتحقق، إذا ما تمّ نقاش عدة محاور بشكل جديّ، وقد يكون أهمها هو المحور التشريعي، فالغاب كما وصفه جحجاح يقسم إلى ثلاثة أقسام: مناطق حراجية وأخرى زراعية خاضعة للتصنيف الزراعي وثالثة وهي المخططات التنظيمية، لذلك وجب عند التفكير بالمنطقة الخاصة لا بدّ من وضع قانون حراج وقانون تنظيم زراعي وقانون مخططات تنظيمية تكون خاصة بالسهل، حيث يمكن القيام بمشاريع ومنح التراخيص التي تقيد أيدي المزارعين وتقف حائلاً أمام أي مشروع كبر أو صغر كتربية الأبقار أو المشاريع الزراعية وحتى يعيق الحصول على الأعلاف والقروض التي تعتبر بداية الطريق لتنمية الغاب.

غياب التمويل والتأمين

أما المحور الثاني فهو تأمين مصادر التمويل للمشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر، إذ يبدو أن من يعيش في تلك المنطقة يواجه عدة مشكلات لا يلحظها المسؤولون ولا تصل إلى ملفاتهم “الأنيقة”، وهي صعوبة منح القروض لغياب المصارف الخاصة المتعلقة بتمويل تلك المشاريع، حيث بيّن مدير مكتب التنمية المحلية أن منطقة الغاب غير مفرزة -لا يوجد طابو مفرز- بالتالي لا يمكن الاستفادة من أي قرض تسليف أو مصرف صناعي، في وقت يعجز المصرف الزراعي عن تخديم كافة المنطقة والمشاريع بسبب عدم وجود تراخيص، فمن يريد استثمار أرض أو ثروة حيوانية أو القيام بمنشأة ليس لديه أي مصدر من مصادر التمويل للأسباب التي تمّ ذكرها.

رغم كل تلك المعوقات هناك هاجس يؤرّق فلاحي الغاب وربما فلاحي بلدنا بشكل عام، وهو موضوع التأمين على المنتجات الزراعية والحيوانية، وتمنى جحجاح وجود سبيل للتأمين وذلك لأهميته الكبيرة في دعم الفلاح الفقير الذي لا يمكنه المخاطرة بمبلغ جمعه على مدار أعوام، فإن ذهبت هذه “المطمورة” أو خسر المبلغ خسر حياته معها، وأضاف المدير: أي نكبة لمشروعه أو نكسة إن وجد الدعم يستطيع المزارع الوقوف مرة أخرى على قدميه والعمل من جديد.

آمال للنهوض

أما ما يتعلق بالشأن الزراعي وهو الأهم بالنسبة لسكان الغاب، فقد أوضح خبير التنمية المحلية أن متطلباتهم ليست بالضخمة وغير المنطقية، وخاصة في الوقت الراهن لكن كل ما يحتاجه السهل وفلاحوه تقديم مساعدات تتعلق بشراء الأبقار كاستيرادها بأصناف جديدة وتوزيعها بالتقسيط، عازياً ذلك لقلة الأبقار وعدم جدواها الاقتصادية إضافة لضعف القدرة الشرائية لاقتناء بقرة حيث وصل سعرها إلى 50 مليون ليرة وهو رقم من المستحيل توفره عند الفلاح، وبعد ذلك تفعيل دور مؤسسات التدخل الإيجابي لاستجرار الحليب بأسعار مرضية، فمن غير المنطقي أن يبيع المزارع كيلو الحليب بـ4000 ليرة بينما في مراكز المدن يصل إلى 9000 فالفرق كبير وشاسع، وتمنى جحجاح مبادرة وزارة الدفاع أو المعامل الخاصة للاستثمار واستجرار الحليب، ولاسيما أن مقدار ما تحتاجه تلك المؤسسات على سبيل المثال كبير جداً، في حين تبقى المياه “الفلك” الذي تدور حوله كل تلك المتطلبات، فإن تمّ استثمار الهطولات المطرية في السهل وتأمين المياه سيقلب الموضوع من حال إلى حال، وبعدها تأتي خطوة الاعتماد على الزراعات القطاعية كما الدول الأخرى أو التعاقدية بين التاجر أو الدولة والفلاح، فاليد العاملة في سهل الغاب متوفرة ورخيصة، وهو بيئة حاضنة وخزان استراتيجي يحاول دائماً من يجاوره شدّ الأنظار نحوه لتحقيق تنمية مستدامة كبيرة وإزاحة عبء كبير عن البلد وتحقيق مقولة “نحن نأكل مما نزرع”.