الإصلاح المؤسساتي.. خطوة ناجحة لتعبئة واستثمار الموارد المتاحة
دمشق – البعث
الإصلاح المؤسساتي يشكل أولوية بل درب الخلاص الذي لا غنى عنه للبلدان التي تعاني من تداعيات الحروب والدمار؛ وهذا ما تؤكده تجارب البلدان التي عانت من ويلات هذه الحروب؛ لأن تقوية بنيان الدولة وتعزيز الثقة بمؤسساتها هي الطريق التي يمكن من خلالها بعث الأمل من جديد، ومنح الثقة بإمكانية تجاوز المحنة وبلسمة الجراح والآلام، وهذا أيضاً من ناحية أخرى يساعد على قطع الطريق أمام المتاجرين وأصحاب المصالح الذين ينتظرون بفارغ الصبر ركوب عربة إعادة الإعمار لتحقيق مصالحهم الذاتية التي لا تتحقق إلا من خلال إضعاف هيبة الدولة والتشكيك بقدرتها على تجاوز الظروف الصعبة التي تمر بها، كما أن تقوية بنيان الدولة سيعزز ثقة المجتمع الدولي بقدرتها على تجاوز أزمتها، وإعادة بناء مؤسساتها، وإحياء وتجديد دورها في مجالها الحيوي وعلى المستوى الدولي.
ويرى الخبير الإداري منير المحمد أن سورية بأمس الحاجة اليوم بما لا يقاس بأي وقت مضى لإعادة صياغة بنيانها المؤسساتي على أسس متينة وراسخة واستشهد بالتجربة الألمانية التي تعد من التجارب الناجحة ليبين أنه بعد أن حطت الحرب العالمية الثانية أوزارها، وبعد أن وصلت ألمانيا إلى دولة بلا مرافق ولا اتصالات ولا مواصلات ولا كهرباء ولا منافذ لبيع الغذاء والدواء، وبعد أن فقدت ألمانيا ربع منازلها، وانخفاض إنتاج الغذاء بمقدار النصف عما كان عليه قبل الحرب، كانت المفاجأة أن ألمانيا استطاعت بعد أقل من عقد من الزمن أن تكون صاحبة أكبر وأقوى اقتصاد في أوروبا، ورابع أكبر اقتصاد على مستوى العالم، فهل تحقق هذا بفعل مشروع مارشال الذي تبنته الولايات المتحدة لإعمار أوروبا؟”. ولكن وبحسب الخبراء خطة مارشال رغم أهميتها لم تقدم لألمانيا الغربية سوى قدر محدود من المساعدة، فبحلول عام 1954 لم يكن إجمالي ما قدمته خطة مارشال وبرامج المساعدات الخارجية المصاحبة يتجاوز الـ 2 مليار دولار، مع ملاحظة أن المساعدات الخارجية كانت تقدم بيد، في الوقت الذي كان يجري استنزافها باليد الأخرى، عبر ما يسمى بتعويضات خسائر الحرب التي فرض على ألمانيا تقديمها سنوياً لدول الحلفاء.
والواقع، كما يرى العديد من الخبراء، أن نجاح ألمانيا في تحقيق معجزتها الاقتصادية يرجع إلى تبنيها لنهج اقتصاد السوق الاجتماعي، الذي طرحه وزير اقتصادها في عام 1948، والقائم على تبني قواعد السوق الحرة، مع الحفاظ على حقوق المجتمع والعمال، فالدولة وفقاً لهذا النهج مسموح لها التدخل بالحدود التي تمكنها من تحفيز النشاط الاقتصادي، ووضع سياسات تضمن بيئة تنافسية بعيدة عن الاحتكار، ووضع سياسات اجتماعية لحماية الفرد والعمال؛ ما أسهم في تحفيز المجتمع على إقامة شركات مساهمة للإنتاج وإعادة الإعمار بالتعاون مع المصارف، فظهرت شركات صناعية كبرى في مجال صناعة الحديد والصلب والسيارات.. إلخ، وتم ربط الشركات الكبرى بشركات أصغر ومشروعات صغيرة ومتناهية الصغر تقدم خدماتها ومنتجاتها للشركات الكبرى الأم، وهذا بدوره ساعد على ازدهار هذه المشروعات، وساعد على تحولها إلى شركات متوسطة تستوعب الكثير من الأيدي العاملة، حيث أصبحت الشركات المتوسطة أكبر مولد لفرص العمل في البلاد، فأولوية الإصلاح الاقتصادي في ألمانيا بعد الحرب لم تكن على حساب مسارات الإصلاح المؤسساتي التي تم العمل عليها بالتوازي دون أن يتقدم أحدها على الآخر، مما أسهم في عودة ألمانيا السريعة كإحدى أهم الدول على المسرح العالمي.