هناء داوودي وصور مختلفة للحبّ في “هنائيات”
ملده شويكاني
على حين غرة
يقطف قبلة الصباح
تاركاً على الشفاه
كوكباً يحترق…وشلال عطر
وأسراب فراشات…
أحد النصوص الواردة في مجموعة الشاعرة هناء داوودي الجديدة المعنوّنة بـ”هنائيات” الصادرة عن دار بعل- الطبعة الأولى -2024-، والمتضمنة نصوصاً متنوعة غير معنوّنة تجمع بين قصيدة النثر الطويلة والقصيرة التي لا تتجاوز الثلاثيات بأشطر ثلاثة، بالإضافة إلى سرديات صغيرة محمّلة بروح شعرية، تتمحور حول الحبّ بشكل أساس، إذ تناولت داوودي صوراً مختلفة للحب من خلال حالات عاطفية تعيشها الأنثى بين لهفة اللقاء ولذة الشوق وأنين الحنين ووجع الفراق.
فتارة تمثل الأنثى العاشقة حتى الثمالة، وأخرى الحائرة من الاشتياق، والمتعبة من الانتظار، ولم تغب الأنثى الناقمة لتصل في بعض النصوص إلى الأنثى التي شُفيت من مرض الهوى ونسيت الرجل الذي أذاقها كؤوس المرّ.
اعتمدت داوودي على الدمج بين الذات والآخر بصوت واحد، موظّفة ضمير المتكلم مع المخاطب بكاف الخطاب، فمضت بالبوح عن مشاعرها مع الحبيب الذي شكّل المعادل الموضوعي للذات، بعلاقة انفعالية تشي بتصوير الحالة العاطفية.
وكان الزمن عنصراً أساساً بتركيزها على الصباح الذي يحمل قبلة وذكرى وعطراً، على الرغم من استخدامها الليل في عدد من النصوص، مثل سحر صوته الذي يأتي مع ضوء الصباح يوقظها:
صوته في الصباح
كروم عنب تتدلى بروحي
وتتخمر بدمي
كما عملت داوودي على التماهي مع الطبيعة، ولا سيما المطر والبرد والغيوم، وتعمقت بالتفاصيل فشغلت الفراشات والقمر والنجوم حيزاً من التراكيب، كما بدت روح الشاعرة بالالتصاق مع القصيدة التي ذكرتها في نصوص عدة، منها:” تعلمتُ في هواك كيف أشكّل من الياسمين قافية فريدة؟ وكيف أصوغ الشوق قصيدة؟”
الجميل هو توظيفها الورق في توصيف الرجل الخائن والكاذب حينما تكتشف حقيقته بأنه “كان رجلاً من ورق”:
” أعجز عن كتابتك بحبر النسيان
فأنثاك ياغائبي
لم تتقن بعد خيانة الورق”
أما التناص الغنائي فكان بذكرها جملة من كلمات الأغنية، منها أغنية كارم محمود، حينما قالت:
“من يوقظ قلبي
وأنت مازلت تلف الضوء حول سبابتي يديك
وتدندن (أمانة عليك يا ليل طول)
ومن زاوية أخرى، تناولت موضوعات وطنية تتعلق بالشهادة والشهيد:
ذاك الشهيد لم يمت
هو فقط بكل الحب
نفض عنه أحزان وطنه
احتضن روحه
ومضى بها لسماوات أرحب
حيث لن تدنسها هناك خطايا الحرب
ومن الحرب الإرهابية على سورية إلى محاولات العدو الصهيوني تصعيد الإبادة الجماعية في غزة:
الأطفال في حينا
يتساقطون تباعاً
وحدها لعبة الموت
تفصح عن شوقهم للسماء
المدينة الخالدة دمشق شغلت مكانها في أسطر المجموعة برموزها الجغرافية والتاريخية التي تغنى بها الشعراء، فانسابت مياه بردى الرقراقة، وقاسيون الشامخ على مفرداتها، مستخدمة الأسلوب الإنشائي بالسؤال:
لاتسألوني من أنا
أنا من استباح عطر الياسمين روحي
وامتزج خرير بردى بصوتي
أنا الدمشقية
التي كتبت على سفح قاسيون
تلك الأسطورة الصامدة هي موطني
كما تطرقت إلى موضوعات إنسانية حينما وصفت حالة المرأة المسنة” في دار المسنين لم تفارق ابتسامتها يوماً وجهها… المرة الوحيدة التي انهمر دمعها حين لمحت بالصدفة وحيدها على التلفاز، يراقص حسناء في بلاد بعيدة لا تعرفها”.
لوحة الغلاف الذي صممه خلدون صقر أضافت جمالية إلى المجموعة، فأظهرت تأملات أنثى أسدلت شعرها واحتمت بالجدار من تعب العمر ونأي المسافات ونزيف القلب.