ملاحظات على هامش قوائم “البعث” لعضوية مجلس الشعب
دمشق – البعث
ما إن أعلنت القيادة المركزية لحزب البعث العربي الاشتراكي عن قوائم مرشحي الحزب لعضوية مجلس الشعب في دوره التشريعي الرابع حتى انهالت الاتصالات والرسائل الصوتية والمكتوبة متضمنة سيلاً من الآراء المتباينة، والمتنافرة في أحيان كثيرة، حيال هذه القوائم كما صدرت في صيغتها النهائية.
ورغم أن هذا التباين يبدو غير مألوف في حياة الحزب للوهلة الأولى، إلا إنه يشي بالكثير من المؤشرات الإيجابية، ذلك أن ما يمكن أن نقرأه من وراء ذلك، حقيقة، هو أن الجهاز الحزبي لا يزال يعول على الحزب، ويرى فيه الرافعة الحقيقية لمستقبل سورية، وأن المبادرة إلى التحدث بصوت عال، وإبداء الملاحظات والآراء المختلفة، والتحدث بشفافية كاملة، إنما يدلل على أن الجهاز الحزبي يسلك المسار الصحيج، ويستوعب التغيير الحاصل بسرعة قياسية، ويتوجه مباشرة لتحقيق الأهداف المرجوة.
وهنا، فإنه لا يمكن أن نغفل الإشارة صراحة إلى أن حالة عدم الارتياح التي عبر عنها البعض تعكس في جانب منها أسباباً منطقية ومفهومة، فيما لا تعكس حالات أخرى إلا جوانب ونوازع شخصية مبالغ فيها؛ وإذا كان التعبير عن الارتياح من عدمه مقبولاً ولا ينطوي، بحد ذاته، على أية مشكلة، إلا أن من الضروري التأكيد مسبقاً على حق أي مرشح “بعثي” – في المحصلة الأخيرة – بأن يكون خيار قيادة حزبه لقائمة الوحدة الوطنية، علاوة على أن أي انتخابات، وأي عمليات استئناس، ستشهد، على كل حال، “خاسرين” و”رابحين”، أي “مرتاحين” و”مستائين” بحكم طبيعة الانتخابات نفسها. وهنا، فإن أحداً لا يدافع عن القوائم كما تم إقرارها، ولا عما تضمنته من أسماء، بل يدافع عن توجهات الحزب وسياساته وأدوات عمله الداخلية، وعن كوادره ومؤسساته، بما فيها قيادته، إذ لا مصلحة لأية قيادة حزبية، ولا امتياز لها، في السير عكس توجهات القاعدة الانتخابية، ولن يحصل ذلك أبداً.
ولكن ما ينبغي التأكيد عليه دائماً هو أن التقييمات الشخصية لا يمكن أن تنطوي على أحكام دقيقة وموضوعية، كما لا يمكن الأخذ بها، أو اعتبارها أساساً صالحاً للعمل؛ والمفاجأة غير المستغربة أن ملاحظات وتقييمات الكثيرين إنما كانت تنطلق من بوابات “السيرة الشخصية الحافلة”، والأحقية الذاتية بالجدارة، والقناعة بالأهلية التمثيلية، بعيداً عن أية مرجعية عملية وواقعية.
وبالتوازي، لا بد من التأكيد على حتمية الأخذ بنتائج الاستئناس، بغض النظر عن وجود أو غياب الوعي الانتخابي، ومدى استعداد الناخب لالتزام مصداقيته الانتخابية، أو الانحراف بها نحو حسابات مشوهة، قد ترتبط بنوع من التفكير المتخلف، أو بالمال الانتخابي، بما لا يليق بالانتماء البعثي الحقيقي، ولا بأية حياة حزبية طبيعية.
وفي الإطار العام، من المهم إعادة التأكيد مرة ثانية وثالثة على أن مبدأ الانتخاب بذاته، ومهما انطوت نتائجه على جوانب غير متوقعة وغير مألوفة، وقد تكون سلبية وتبعث على الأسف أحياناً، يبقى أفضل من التعيين بما لا يقاس، وأن على الناخب أو المستأنس، أي المواطن بالمعنى العام، أن يمارس حقه الانتخابي بملء إرادته ووعيه، وأن يدرك أن عليه أن يتحمل مسؤولية وتبعات ممارسة هذا الحق، عبر صناديق الانتخاب أو الاستئناس، لأن صوته هو بطاقة انتسابه إلى مجتمع المشاركة ودولة المواطنة.
أخيراً، هناك ملاحظة ينبغي التذكير بها، وهي ضرورة العودة إلى ما طرحته “البعث” عبر صفحاتها، خلال الأيام الماضية، خاصة ما يتعلق بموضوع الحصانة البرلمانية، فالفوز بعضوية مجلس الشعب لن يكون “رخصة” أو “كارت بلانش” للقفز فوق المحاسبة القضائية، أو للتهرب منها، فحيث يكون الارتكاب والفساد ستكون يد القضاء حاضرة بقوة لتطبيق العدالة والحفاظ على حقوق المواطن والدولة، وردع أية تجاوزات مهما كانت؛ ولقد لمسنا ذلك مؤخراً، وسيكون ذلك عنواناً بارزاً للمرحلة القادمة، وبمشاركة وتعاون مع مجلس الشعب بأعضائه المنتخبين الجدد أنفسهم.