رأيصحيفة البعث

بين عجز البحرية الغربية وانهيار الناتو

طلال ياسر الزعبي

لا شك أن العدوان الصهيوني على غزة كشف كثيراً من الأمور التي كانت خافية فيما يتعلق بالقدرات الحقيقية للقوى المنخرطة في هذا العدوان بشكل مباشر أو غير مباشر، وذلك من خلال عجزها الكامل عن “حماية إسرائيل” من هجمات محور المقاومة في المنطقة.

وربما تكون أكبر نتيجة لهذا العدوان على الصعيد الاستراتيجي، تعرية الدول الغربية وكشف قوّتها الحقيقية، حيث كانت البوارج وحاملات الطائرات الأمريكية والغربية تجوب البحار والمحيطات والمضائق دون أن تواجه أي صعوبة في ذلك. أما الآن، ومع إسناد المقاومة الفلسطينية في غزة في مواجهة العدوان الصهيوني، عبر منع السفن الإسرائيلية من العبور من مضيق باب المندب في الاتجاهين، ومنع سفن الدول المرتبطة بالعدوان كذلك، فإن موازين القوة جميعاً قد تغيّرت، إذ أكدت البحرية الأمريكية وبحرية سائر الدول الغربية المتحالفة معها عبر الناتو، أنها عاجزة تماماً عن منع القوات اليمنية من استهداف سفنها وبوارجها، وهذا بالمعنى العسكري يشير إلى أن سلاح البحر الغربي كله تم تحييده في هذه المعركة، وهو أهم سلاح تفاخر به الدول الغربية مجتمعة.

ليس هذا فحسب، بل إن الأمر تجاوز ذلك كثيراً، حيث أصبحت الحرب الخفية أو غير المباشرة في منطقة الشرق الأوسط هي المحور الأساسي لحرب عالمية ثالثة غير معلنة، فالسلاح الغربي الذي تدفّق بسخاء على أوكرانيا في حرب الناتو على روسيا بالوكالة، جعل من الطبيعي، وربّما البدَهي، أن تتسرّب تكنولوجيا الصواريخ الروسية إلى المنطقة، ويمتلك اليمن بعد سنوات طويلة من الحصار صواريخ فرط صوتية تمكّنه من استهداف الأساطيل الغربية على مسافات بعيدة، وليس بعيداً القول: إن الحرب في أوروبا لا تنفصل حالياً عما يجري في منطقتنا، فالشلل الذي تعانيه الأساطيل الغربية في البحر الأحمر والمحيط الهندي، نابع عملياً من عجز هذه الأساطيل عن تغطية مجموع الجبهات التي تم فتحها دون التمكّن من إغلاقها، وذلك أن أي جبهة يتم إغلاقها من هذه الجبهات ستكون مؤشراً على عجز الأطلسي عن الحسم في هذا التوقيت بالذات، وبالتالي سيصبح ذلك بداية للعدّ التنازلي لعُمر الحلف الذي اعتاد منذ تأسيسه على حسم مثل هذه المعارك لمصلحته سريعاً.

ومن هنا ليس غريباً أن نرى البوارج الأمريكية تخرج من البحر الأحمر والمحيط الهندي في رحلة العودة إلى موانئها بعد تلقّيها الضربات الموجعة تحت عنوان “الصيانة”، وليس غريباً أن تضطرّ واشنطن لتعويض هذا النقص بسحب حاملة الطائرات ثيودور روزفلت المقيمة تقليدياً في بحر الصين إلى البحر الأحمر للإيحاء بأنه لا يزال لديها هامش من القدرة على حماية السفن الغربية والصهيونية في البحرين الأحمر والعربي.

وأيّاً يكن من شأن هذا الانسحاب الغربي التدريجي من البحر الأحمر تحت ذرائع مختلفة، حيث أعلنت دول عديدة عن ذلك، فإنه يشير بشكل لا لُبس فيه إلى عجز الدول المالكة لهذه القطع البحرية عن حمايتها، واكتفائها بحماية موانئها، وهو بالتالي انكفاء أطلسي إلى الحدود الطبيعية يؤكد من جانب آخر سقوط الهيبة وفقدان الهيمنة التي راكم الناتو قوّته على أساسها.

والواقع أن الغرب الآن يعيش قلقاً وجودياً حاداً نتيجة انكشاف عجزه عن إغلاق جميع الجبهات التي فتحها دون الانتصار فيها، وهذا ربّما أظهره بشكل واضح التخبّط الأمريكي في إرسال حاملات الطائرات إلى المنطقة ثم بعد وصولها بعدة أيام يقرّر سحبها وإعادتها إلى موانئها، الأمر الذي يشير إلى سقوط فكرة التفوّق البحري للحلف، وبداية انهياره.