دراساتصحيفة البعث

الجنوب العالمي يتقدم ويترسخ بخطى ثابتة

هيفاء علي

تجد الأنظمة الغربية نفسها في مواجهة الواقع القاسي، الذي كان متوقعاً تماماً، حيث يتعين عليها أن تكون مسؤولة ليس فقط أمام خصومها الرئيسيين على الساحة الدولية، بل أيضاً أمام الدول الأخرى ذات الأغلبية العالمية، بما في ذلك أولئك الذين كان الغربيون يأملون  منهم  الالتزام ، ولو جزئياً، بمعسكرهم.

وتمثل حالة الهند أحد الأمثلة على ذلك، حيث استدعت وزارة الخارجية الهندية السفير الأوكراني، مما يدل على استياء نيودلهي من التصريحات الأخيرة للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بشأن زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي لروسيا واجتماعه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حسبما ذكرت الصحيفة الاقتصادية اليومية الرئيسية في الهند.

وبحسب نفس الصحيفة، فقد أرجأت الهند أيضاً اجتماعاً لمجموعة العمل المشتركة المعنية بالثقافة مع أوكرانيا، مرة أخرى بسبب الحادث المعني.

ومن باب التذكير بهذا الحادث، فقد هاجم الرئيس الأوكراني لفظياً رئيس الدولة الهندي لأنه جاء إلى روسيا و”احتضن بوتين”، مضيفاً أنه من “خيبة الأمل الكبيرة” أن نرى ذلك من أكبر ديمقراطية في العالم”.

ما يثير قلق الرئيس الذي انتهت ولايته الآن هو أنه بالإضافة إلى حقيقة أن الهند تعتبر أكبر ديمقراطية في العالم وحضارة عظيمة، فهي أيضاً إحدى القوتين الديموغرافيتين الرئيسيتين في العالم، وثالث أكبر قوة اقتصادية في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي بتعادل القوة الشرائية.

وفيما يتعلق بالعلاقات مع الدولة الروسية، أصبحت الهند الآن أحد شركاء موسكو الاقتصاديين والتجاريين الرئيسيين على مستوى العالم، وأكثر من ذلك، أصبحت روسيا الآن المورد الثاني للدولة الهندية، بعد الصين وقبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

والهند، التي تشكل أيضاً، مثل روسيا، جزءاً من مجموعة البريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون، هي أيضاً قوة رئيسية في الجنوب العالمي والعالم المتعدد الأقطاب. ومع ذلك فإن الهند على وجه التحديد هي التي كانت لفترة طويلة في مرمى الأنظمة الغربية وأولئك الذين يحنون إلى القطبية الأحادية في محاولة لإعادة نيودلهي إلى معسكرهم، على الأقل جزئياً.  باستثناء أن الأحداث الأخيرة تظهر بوضوح أن الهند ليست فقط قوة دولية عظمى مستقلة تماماً وذات سيادة، وتعرف مصالحها جيداً فحسب، بل هي أيضاً دولة لن تقبل لغة غير محترمة و ترفض لغة التهديد والوعيد، خاصة من قبل الأقلية العالمية الغربية والأنظمة التابعة.

وبهذا المعنى، فإن استدعاء الدبلوماسية الهندية للسفير الأوكراني هو في الوقت نفسه تذكير لأسياد النظام المذكور بأن الهند لا تخطط فقط للسماح لنفسها بمواجهة ضغوط متعددة الأوجه، خاصة فيما يتعلق بالشراكة مع روسيا، ولكن ما هو أكثر من ذلك سيظل يحظى بالاحترام بكل الوسائل الضرورية.

بشكل عام، إذا كان الغرب يأمل حتى النهاية في أن يكون قادراً على الحصول على شبه حليف بين الدول ذات الوزن الثقيل في الجنوب العالمي، فمن الآن فصاعداً سيتعين عليه مواجهة الحقائق المتمثلة في أن الأحداث الحالية تمثل فشلاً آخر لحلف شمال الأطلسي والغربيين والدمى الخاصة بهم.

لأنه مرة أخرى، بالنسبة للأشخاص المتغطرسين الذين لا يستحقون الاحترام، سيظل النظام الدولي المتعدد الأقطاب أسوأ كابوس على الإطلاق، وعلى العكس من ذلك، فهو عصر الفرص الهائلة للدول ذات الأغلبية العالمية، للتخلص من عنجهية وغطرسة هذا الغرب الذي يحن إلى زمن أحادية القطب، ومواصلة إرساء أسس نظام دولي أكثر عدلا قائم على التعددية القطبية.