ثقافةصحيفة البعث

ذو الفقار الخضر: الشعر موهبة والموروث الذي حفظته نواة مسيرتي الشعرية

حمص- عبد الحكيم مرزوق

في رصيد الشاعر ذو الفقار الخضر أربع مجموعات شعرية باللغة الفصيحة والشعر المقفى والموزون ومجموعتان تضمّان مقطوعات نثرية زجلية حملت عناوين “أريج الحنين” و”ومضات نور” و”خيوط الوجد” و”تقاسيم على قيثارة البوح”.

حين التقيناه عرّفنا بنفسه قائلاً: “أنا من مواليد قرية الشعيرات الواقعة في الريف الجنوبي الشرقي لمحافظة حمص، نشأت فيها وتلقيت علومي في مدارسها”، ويحدثنا عن تلمّسه طريق الشعر فيقول: “الشعر موهبة، وهو ليس علماً يأتي بالدراسة والاكتساب العلمي، فقد بدأت الموسيقا الداخلية الشعرية تواكبني منذ سنين الطفولة، وشكّلت البيئة المحيطة الرافعة الحقيقية لبداية وعيي الشعري، فكان والدي يملك مخزوناً هائلاً من القصص البدوية التي كان يستشهد بها بأبيات من الشعر البدوي، وقد عرفت بعد أن توسّعت في دراسة تاريخ الأدب العربي أن تلك اللغة هي اللغة العربية الأصيلة، التي ترتكز بشكل كبير على الاستعارات القرآنية وما تداوله الشعراء العرب الأقحاح من كلمات جزلة، أيضاً كانت الوالدة وجدتي لوالدتي تحفظان الكثير من القصص التي تتناول الحكمة وتترافق بأبيات شعر، وكلّ هذا كان بالحفظ من خلال الاستماع والتكرار في المجالس الريفية، حيث لم يكن هناك أي وسيلة ترفيهية من كهرباء أو تلفزيون أو مذياع، وهم من جيل عاش نهاية الاحتلال العثماني وبداية الاحتلال الفرنسي، والاحتلالان كان هدفهما طمس اللغة العربية وإشاعة الجهل والتخلّف، لكن الذاكرة الجمعية والحفظية والاهتمام باللغة جعلهم يحافظون على هذا الموروث الذي شكل اللبنة الأولى في مسيرتي الشعرية، والورود التي فُرِشت بها طريقي هي ذلك الموروث الكبير الذي حفظته عن ظهر قلب وأصبح النواة الأولى لمسيرتي الشعرية”.

وفيما إذا كان يعتقد أن تأثر الشاعر في البدايات ببعض الشعراء يمكن أن يؤثر على مسيرته الشعرية لاحقاً؟ يقول: “لا يمكن أن ننكر أن تأثر الشاعر في بداياته بأحد الشعراء أو لنقل مجموعة من الشعراء يشكل الأساس اللغوي لانطلاقته، والذي يصبح فيما بعد الخزان الفكري للصور والمفردات الشعرية، طبعاً وهذا يؤثر إيجاباً على الشاعر شريطة أن ينجح في الخروج من الدائرة التي أسّسها ذلك الشاعر القدوة، وإلا سيبقى رهين تجربة ذلك الشاعر أو الشعراء القدوة وهذا يوثر سلباً على مساره الشعري لاحقاً، لأنه سيكون نسخة متطورة عن تلك التجربة، وسلبية هذه الحالة أن المتلقي يمكنه العودة إلى النسخة الأصل وإهمال النسخة المقلدة لتلك التجربة”.

يكتب الخضر قصائد منسوجة بطريقة التفعيلة والعمودي الموزون والمقفى والزجل والشعر المحكي والعتابا والمواويل والموشح، لكن هل الكتابة في كلّ الأنواع دفعة واحدة تذهب من قيمة الشعر؟ يجيب: “بالعكس.. الكتابة في مختلف الألوان الشعرية والفنون الأدبية تعطي تجربة أكبر وخيالاً شعرياً أوسع، ولمن لا يعلم أن كلّ الألوان الشعرية الفصيحة والمحكية والشعبية لها خيط ناظم وأساس متين وهو البحور الشعرية التي نشأ عليها الشعراء العرب بالفطرة، ومن خلال إيقاع وقع قوائم الحصان الذي كان وسيلة التنقل الأساسية منذ أيام الجاهلية، وإن كانت وزارة الثقافة واتحاد الكتّاب العرب لا يسمحان بنشر مجموعات بالشعر الشعبي أو المحكي، حفاظاً على اللغة العربية وعدم السماح بدخول مفردات محكية إلى لغتنا الأم، لكن لا يمكن نكران أن للشعر المحكي بألوانه المختلفة من عتابا وميجانا وسويحلي ونايل ومطوَّح وشروقي جمهوره الواسع وشعراءه ومتابعيه، وكان السبب الرئيسي في محاولاتي الأولى في الشعر الشعبي والمحكي هو الشاعر العربي مظفر النواب الذي يعدّ من أبرز الشعراء الشعبيين العراقيين، بالإضافة إلى كونه من أرفع الشعراء العرب الذين كتبوا الشعر الفصيح بأنواعه التفعيلة والمقفى العمودي، وكان يقول لي وأنا الذي تواصلت معه مدة أربعة أعوام أثناء وجودي في محافظة دمشق “إن الشاعر إذا لم يكتب في كل الفنون الشعرية والأدبية، لا يمكن عدّه شاعراً، من حيث أن لديه قصوراً في باب من تلك الأبواب الإبداعية المتعدّدة”.

ورداً على سؤال عمّا إذا لحّن بعض شعره، يجيب: “نعم.. هناك أكثر من فنان ومن مختلف المحافظات لحنوا بعضاً من كلماتي، ومنهم الفنان مدين حربا من اللاذقية، والفنان مزيد الأحمد من حماة، ومن محافظة حمص هناك أكثر من عازف وملحن تناولوا أعمالاً شعرية لي منهم الفنان الملحن راجح شاهين”.

شارك الخضر في مسابقة المؤتمر الدولي “القدس لنا” التي أعلنتها مجموعة “مدى” من مركزها في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وحصل على المركز الثاني، فهل يعتقد الخضر أنّ الجائزة اعتراف بالفائز بأنه شاعر أم لا؟ يوضح: “ضمّت المسابقة أكثر من 18 دولة عربية، وخضعت النصوص للجان عدة صارمة، من حيث التدقيق اللغوي والعروضي والإملائي، ومن حيث أن المسابقة دولية وليست محلية، وحصلنا في سورية على إحدى عشرة جائزة كان منها ثماني جوائز لملتقى صافيتا الأدبي الذي أنتمي إليه منذ عام 2016، والذي يعتمد على التدقيق اللغوي على العام، لكي تعمّ الفائدة على الجميع، ما يساهم في تصحيح المسار الشعري وصقل الموهبة الشعرية، وأعتقد أن من يحصل على جائزة تمرّ على لجان شعرية وأدبية متخصّصة وصارمة يمكن عدّه شاعراً ومتمكناً أيضاً.

وعن سبب عدم كونه عضواً في اتحاد الكتّاب مع أن لديه أربع مجموعات شعرية حتى الآن؟ يحدثنا: “تقدّمت بطلب عضوية إلى اتحاد الكتّاب العرب وأتمنى الموافقة عليه، خاصة وأن أعمالي الشعرية الأربعة جاءت بموافقة الاتحاد على الطباعة وموافقة وزارة الإعلام على التداول، وفي الحالتين يعرض المخطوط على لجان متخصّصة تدقق بشكل كبير، لغوياً وعروضياً ونحوياً وإملائياً، وأتمنى أن يحصل طلبي على الموافقة لأكون من أعضاء اتحاد الكتّاب العرب الذي أعتز به وبالقائمين عليه”.