ثقافةصحيفة البعث

“مرايا البحر”.. مجموعة شعرية للشاعرة هويدا مصطفى

 

للطبيعة حكمتها ودهشتها..

الأرض كرة تدور في فضاء لا متناهي الأمداء

عماد الحياة الماء

كل ما في الطبيعة يدين له بالوجود

منه شراب عذب مذاقه

ومنه ملح أجاج..

ماء مالح ملأ تجاويف الأرض

فكانت البحار والمحيطات…

كانت السماء المفتونة بأسرارها تراقب،

وكانت متغاوية تبحث عن صورتها

مصادفة لاقت البحار، وعلى سطحها ارتسم وجهها

فكانت البحار مرايا للسماء…

ومن لهاث البحر عندما تقبل وجهه الشمس

كان الغيم يزيّن وجه السماء

هذا الغيم يعود غيثاً إلى البحار، واليابسة مع الشكر

وتكتمل دورة الطبيعة، دورة الخصب…وهل من خصب دون أنثى؟!

في “مرايا البحر” وهو عنوان ديوان شعر للشاعرة هويدا مصطفى، نرى منذ عتبته الأولى، ومن الإهداء تحديداً مفردة تستولي على المجموعة وهي “وجع الغياب”.

كما نلاحظ حضور الحلم في الكثير من النصوص، وهل من فكاك للشعر من الحلم أو بالعكس؟ فالشعر فعل حلمي، أو ترجمة فعلية للأحلام.

رغم ذلك يطل الحزن برأسه في الكثير من القصائد، لا بأس …الفرح طارئ والحزن هو الأبقى..

الشاعرة تحاول مراراً البحث عن الفرح، والإصرار على تأكيد انتصار الحياة على الخراب والدمار إشارة إلى ما عاناه الوطن، ودماء الشهداء التي نبتت على هضابه شقائق نعمان.

في العديد من القصائد مفاجأة لغائب، وحوار مع طيف هذا الغائب، تحاول بذلك أن تستحضره أو تعيده إلى حضنها.

هويدا مصطفى، وفي غنائها عن الحب لا تتخلى عن الدموع فهي ربما تحاول بذلك تطهير ذاتها، وهذا دليل شفافية وصدق قد يترافق ذلك كثيراً مع طقس الاعتراف.

حتى في تأملاتها لا تستطيع الابتعاد عن طيف الغائب الحاضر الذي يجلب الأمان لذات تبحث عن مكان يليق بها في الحضرة الموعودة.

تحاول الشاعرة استثمار بعض الحالات السلوكية وأنسنتها، حالة الصمت مثلاً وإيحاءاته.

كما نلاحظ أن لها علاقة وثيقة مع ذاكرتها في بداياتها ونشأتها، وهي التي نشأت في بيئة فاضلة فطرية نقية  أعرفها جيداً.

هي شاعرة في ريعان عطائها ولم تكمل واجباتها تجاه أسرتها بعد، لكنها لا تجد مناصاً من محاورة الموت، وهذا دليل إدراك للحقيقة الأكيدة في الحياة .

وببوح صادق تختار عناوين لقصائدها معلنة حبّها دون خوف وبتحدي لقيود المجتمع كأنثى، (هويدا) رغم أنها محافظة في سلوكها إلاّ أنها تحاول من خلال شِعرها أن تنطلق خارج حدود المجتمع، كما لاحظت حضور الكثير من الأفكار الفلسفية في العديد من قصائد المجموعة، وهذا مؤشر على الغنى الفكري والمعرفي للشاعرة وتنوع تجربتها، لا سيما في الكتابة الصحفية .

حاولت الشاعرة في الكثير من قصائدها أنسنة الطبيعة ومكوناتها. ولا غرابة في ذلك فهي ابنة ريف فطري، يحمل البراءة والعفوية عنواناً له، وفي قصائدها تآلفت مع عناصر الطبيعة هذه وأنسنتها كالعلاقة مع المطر، هذه العلاقة المزمنة وقد حوّلته إلى عاشق له همسات، ويصدر أصواتاً عذبة، وله ذراعان يطوقان الجسد.

مجموعة شعرية أخذت قصائدها أشكالاً مختلفة بين العمودية والنثر، وتنوعت عناوينها ومضامينها إلا أن البراءة والصدق تشع من كلماتها وجملها التي كونت صوراً جديدة أعطتها لمسة خاصة استطاعت أن تدخلها القلب، دون استئذان كما لعبت الانزياحات والاستعارات دوراً في إعطائها البريق الخاص بها.

هذا هو الشعر ترجمة لمشاعرنا وأحاسيسنا، بل هو الترجمة الفعلية لأحلامنا، والتي ترافق الطبيعة بكل مكوناتها.

أختم بالقول: إن مجموعة “مرايا البحر” هي مجموعة حلم وشغف وتوق تتكرر فيها كلمات تعبر بوضوح عن ذلك مثل /الحلم-الشوق-الحنين-العشق-مواعيد-الحب-البوح-الفرح-المطر-الأمل./..

والحلم هو المجال الأرحب للشعر، فمن خلاله تتحول المشاعر إلى كلمات تتوسد بياض الأوراق، كما أن عناوين القصائد تؤكد مرة أخرى أن المجموعة لها طابع الحلم، والتوق، بل يمكن القول أنها تعالج الكثير من هواجس الحياة كالحب والموت.

وذلك بمنظور الأنثى، وهنا يمكننا تصنيف هذه الهواجس بالقول أنها هواجس أنثى فتنها عالم الكلمة، وسحرها فطفقت تخيط من أحلامها أثواباً تستر أيامها وتوشيّها بغلالة جميلة.

وقد جاء الإهداء معبراً بشكل ما عن حالة فقد وتوق للقاء، ومحبة وغيرية واضحة، وارتباط بالوسط الاجتماعي والمحيط، كما لا يغيب الوطن وحبّه عن قصائد المجموعة والإهداء، مؤكدة استمرار الحياة ولو بعد موت مؤكد…

المجموعة صادرة عن دار بعل 2024م، على امتداد 112 صفحة من القطع الوسط بغلاف للفنان (أديب مخزوم ) يضم صورة فتاة جالسة ناظرة إلى البعيد، وبألوان بين الأزرق والبرتقالي والبني، وهي الألوان الترابية، وقد جاء العنوان في الزاوية اليمينية العليا مع صورة شخصية للشاعرة ومقبوس من ديوانها على الغلاف الأخير.

أخيراً “مرايا البحر” مجموعة شعرية يمكن وسمها بعبارة واحدة “هواجس أنثى”.

منذر يحيى عيسى (رئيس فرع طرطوس لاتحاد الكتاب العرب)