دراساتصحيفة البعث

في ذكرى تأسيسها.. منظمة حظر الأسلحة الكيميائية أداة للضغط والابتزاز السياسي

د. معن منيف سليمان

تحوّلت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية إلى أداة لممارسة الضغوط على سورية وتوجيه اتهامات باطلة لها، خدمة لمشاريع بعض الدول الغربية ولتمرير مزاعم التنظيمات الإرهابية، فانقلبت من منظمة فنية إلى لعبة جيوسياسية بيد الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، ما ينعكس سلباً على مصداقية المنظمة، والمنظمات الدولية الأخرى، ويزعزع الثقة بها.

وفي كل مرّة تكشف منظمة حظر الأسلحة الكيميائية مشكلتها في عدم الاستقلالية وتحكّم القوى الغربية في قراراتها، التي كرّست ازدواجية المعايير في تطبيق القوانين الدولية. ففي الوقت الذي تستهدف الوكالة سورية لمجرد الشبهة والاتهامات الباطلة تراها تسكت عن الملف النووي الإسرائيلي، حيث تؤكّد الأدلّة القاطعة أن “إسرائيل” تمتلك ما بين 100- 200 رأس نووي.

منظمة حظر الأسلحة الكيميائية هيئة دولية عهد إليها تنفيذ اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية التي دخلت حيّز التنفيذ في عام 1997، وتهدف إلى منع انتشار واستخدام الأسلحة الكيميائية، وتدمير الموجود منها من أجل تعزيز الأمن العالمي، وإيجاد عالم خالٍ من الأسلحة الكيميائية. تأسّست المنظمة في عام 1997، ومقرّها بمدينة لاهاي في هولندا، وانضم لها 192 دولة حتى بداية 2017، وتعمل على تحقيق جملة من الأهداف، أهمها:

  • نزع السلاح الكيميائي بتدمير جميع الأسلحة الكيميائية الموجودة تحت التحقق الدولي من قبل المنظمة، وهو من أهم الالتزامات التي تنصّ عليها الاتفاقية الدولية لحظر الأسلحة الكيميائية، وتتحقق المنظمة من أن عملية التدمير لا رجعة فيها.
  • عدم انتشار الأسلحة الكيميائية عبر مراقبة الصناعة الكيميائية لمنع الأسلحة الجديدة من إعادة النشأة، حيث تنصّ اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية على تعهد “كل دولة طرف في هذه الاتفاقية بألا تقوم تحت أية ظروف بمساعدة أو تشجيع أو حثّ أي كان بأية طريقة على القيام بأنشطة محظورة على الدول الأطراف بموجب هذه الاتفاقية”.
  • توفير المساعدة والحماية للدول الأطراف ضد التهديدات الكيميائية، كون الأسلحة الكيميائية أسلحة مخيفة وشنيعة، وتصيب إصابات شاملة تسبِّب معاناة مديدة وفظيعة، ولا تملك الكثير من الدول الأعضاء القدرة على حماية أهاليها من الأسلحة الكيميائية، ما يعني حاجتها للحماية والمساعدة، وهو ما توفره المنظمة لأية دولة تتعرّض لتهديد باستخدام أسلحة كيميائية ضدها، أو تتعرّض بالفعل لهجمة كيميائية.
  • تقوية التعاون الدولي لإنجاح تنفيذ الاتفاقية وتعزيز الاستخدام السلمي للكيمياء، حيث تقوم المنظمة بتشجيع التعاون الدولي بين الدول الأطراف لتعزيز استخدام الكيمياء للأغراض السلمية.
  • تحقيق عالمية الانضمام إلى المنظمة بتسهيل التعاون الدولي وتكوين القدرات الوطنية.

وتؤكد المنظمة أنها قامت بالفعل بتدمير 90 بالمئة من المخزونات المعلن عنها في شتى أنحاء العالم، البالغة كميتها 72524 طناً من العوامل الكيميائية، كما تؤكد أنها قامت بـ5545 عملية تفتيش في 265 موقعاً و2024 مصنعاً في أراضي 86 دولة من الدول الأطراف، منذ بدء نفاذ الاتفاقية في 29 نيسان 1997، كما يخضع 4913 موقعاً من مواقع الصناعة للتفتيش.

وفي سورية وافقت الدولة السورية في أيلول 2013، على تسليم مخزونها من الأسلحة الكيميائية إلى المنظمة الدولية لحظر الأسلحة الكيميائية لإتلافه من باب إثبات التعاون مع المنظمة الدولية. وقالت المنظمة إن سورية سلّمتها 1300 طن من الأسلحة الكيمائية، وهو ما يمثّل 100 بالمئة من مخزونها، وتمّ إتلافها كلّها في كانون الثاني 2016.

ونفذت التنظيمات الإرهابية في سورية هجمات بالأسلحة الكيميائية والسامة المحرمة دولياً في مختلف مناطق سيطرتها، وخلّفت مئات القتلى والجرحى، وكان آخرها في مدينة خان شيخون التي استخدم فيها غاز السارين. كما نفذ تنظيم “داعش” الإرهابي هجوماً بغاز الخردل في 2015، حسب تقرير فريق المنظمة.

وشكلت المنظمة في 2014، لجنة لتقصي الحقائق من علماء وخبراء للتحقيق بشأن المزاعم المستمرة حول هجمات كيميائية في سورية، لكن وبعد انفجار قنبلة مزروعة بجانب الطريق لدى مرور فريق المنظمة في سورية في بداية 2014، لم يعد خبراؤها يغادرون دمشق بذريعة الحرص على سلامتهم، وبدلاً من ذلك شرعوا في إعداد تقارير معلبة لتعطي صك براءة أو إصدار أحكام إدانة وفقاً لأهواء وأجندات الدول التي تتحكّم بالمنظمة ولتمرير مزاعم التنظيمات الإرهابية ليتمّ تصديرها على أنها وثائق شرعية وعلمية وذات مصداقية دولية بهدف فرض مزيد من الضغوط على سورية.

وبناءً على هذه التقارير المسيّسة والمعلومات المضلّلة التي شوّهت الحقائق، ألقى فريق المنظمة باللوم على الجيش السوري في ثلاث هجمات كيميائية -على الأقل- على قرى في عامي 2014- 2015. وقامت المنظمة بالتحقيق في هجوم في الرابع من نيسان 2017، على مدينة خان شيخون التي تسيطر عليها الفصائل الإرهابية المسلحة في محافظة إدلب، وقتل فيه 87 شخصاً، معظمهم من الأطفال.

ولكن بعد إصدار تقرير بعثات تقصي الحقائق في آذار عام 2019، لم يقبل اثنان من المفتشين في الأمانة الاستنتاجات التي كانت تخالف الواقع وغير مدعومة بأدلة، وأشارا إلى أن بعثة تقصي الحقائق منحازة، وأنه بطريقة ما قد تمّ التلاعب بتقرير بعثة تقصي الحقائق. ما استوجب عزلهما من قبل مدير عام منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، فرناندو آرياس، بذريعة عدم إكمال التدريبات التي يخضع لها المفتشون!.

وبغالبية الثلثين المطلوبة وبتدخل غربي بقيادة الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين (فرنسا وبريطانيا)، صوّتت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية في 21 نيسان 2021، على تعليق حقوق سورية بالاستناد إلى تقارير باطلة ومعلومات مضلّلة “لاستخدامها المتكرّر للغازات السامة”، وتشمل تلك الحقوق حق التصويت، وحق الترشح للمجلس التنفيذي، وعدم إمكانية تولي أي منصب داخل المنظمة.

ونفت الحكومة السورية على الدوام أن تكون ضالعة في هجمات كيميائية، مؤكدة أن مثل هذه الهجمات مفبركة.وتندرج في إطار الحملة المسيّسة التي تشنها القوى الغربية من خلال منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، ذلك أن عمل آليات منظمة الحظر يتناقض مع مبادئ المهنية والمصداقية وعدم الانحياز ونصوص اتفاقية الحظر، ما أدّى إلى ظهور فضائح شابت عدداً من تحقيقاتها في الوقت الذي لم يتمّ فيه تدمير أكبر ترسانة كيميائية في العالم لدى الولايات المتحدة التي تشكّل خطراً على كلّ شعوب العالم ودوله وأداة لتهديد السلم والأمن الدوليين.

لقد تحوّلت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، من منظمةٍ فنية إلى أداةٍ في لعبةٍ جيوسياسية تقودها الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون. وهذا القرار غير المسبوق الذي اتخذه الغرب الاستعماري ضدّ سورية دليل واضح على حجم التلاعب والتسييس والضغوط التي تمارسها تلك الدول داخل المنظمة، من أجل الضغط والابتزاز السياسي.

إن سورية زوّدت الأمين العام للأمم المتحدة بمعلوماتٍ تتعلّق بحادثة استخدام التنظيمات الإرهابية للأسلحة الكيميائية في خان العسل في العام 2013، “تؤكد تورّط ما يسمّى بـ”ائتلاف قوى الثورة والمعارضة” في هذه الجريمة الإرهابية التي ذهب ضحيتها 25 شهيداً وإصابة ما يزيد عن 110 من المدنيين والعسكريين، التي بقيت بدون تحقيق على الرغم من مطالبات الحكومة السورية الكثيرة بذلك.

ومرّة أخرى تكشف منظمة حظر الأسلحة الكيميائية عن مشكلتها في عدم الاستقلالية وتحكّم القوى الكبرى في قراراتها، التي كرّست ازدواجية المعايير في تطبيق القوانين الدولية، ففي الوقت الذي تستهدف الوكالة الدولة السورية لمجرد تقارير كاذبة ومعلومات مضلّلة تراها تسكت عن الملف النووي الإسرائيلي، حيث تؤكد الأدلّة القاطعة أن “إسرائيل” تمتلك ما بين 100- 200 رأس نووي، ويعزّز ذلك ما أدلى به الخبير النووي الإسرائيلي “فعنونو” عام 1986.