دراساتصحيفة البعث

روسيا تقلب موازين القوى

ريا خوري

لم تتوانَ روسيا عن تغيير مسار إستراتيجيتها العسكرية تجاه ما يجري في أوكرانيا، كان ذلك من التصريحات التي أطلقها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حول نيّة بلاده إعادة النظر في عقيدتها النووية.

فقد أشار الرئيس بوتين في هذا التصريح إلى دلالات واضحة جداً، كون ما يجري على الساحة الدولية وانعكاساته في مجريات العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا يأتي بعد توسّع التدخلات الأمريكية والأوروبية، ومحاولة الغرب الأمريكي- الأوروبي تمكين الرئيس الأوكراني زيلينسكي، من خلال إمداده بأسلحة نوعية ومتطورة، ونقل المعركة من بلاده إلى داخل الأراضي الروسية.

لقد اعتقد الغرب الأمريكي- الأوروبي أن روسيا الاتحادية باتت ضعيفة جداً بعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق، لكن عندما وصل بوتين إلى سدّة الحكم والسلطة في روسيا، مع ما يحمله من تاريخ سياسي، وعلاقة قوية سابقة بأجهزة الاستخبارات الروسية، وشعوره بالظلم والقهر، تجاه ما آلت إليه الأمور في بلاده التي كانت مزدهرة في الحقبة السابقة، كان بداية الانطلاق نحو تأسيس روسيا الاتحادية قوية عسكرياً واقتصادياً وأمنياً، وقادرة على إعادة تاريخ ومجد روسيا المفقود، ولعب دور كبير وأساسي في مجرى السياسة الدولية التي بدأت تتحوّل من جديد من قطب واحد أوحد إلى تعدّد الأقطاب.

لقد رفضت روسيا الاتحادية البوتينية القبول بسياسة الأمر الواقع، وعارضت ضمّ جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، لأن ذلك سيجعل منها سيفاً مسلطاً فوق رقبة روسيا. وهدّدت بأنها ستستخدم كلّ الطرق والوسائل للحيلولة دون ذلك، بما في ذلك العمل العسكري والأمني. وفي هذا السياق، كانت البداية بالعملية العسكرية الخاصة التي قامت بها روسيا في أوكرانيا، والتي ما زالت تدور رحاها حتى اليوم.

الجديرُ بالذكر أنَّ العالم في السنوات الأخيرة، مرَّ بمرحلة انتقال في موازين القوة الاقتصادية والعسكرية والأمنية والسياسية الدولية، والصراعات والنزاعات والحروب المحلية والإقليمية، التي تأخذ مكانها في عدد كبير من الدول، وهو ما يعكس حدّة الصراع بين هذه القوى على طريق صياغة النظام الدولي الذي بدأت تتجلّى ملامحه في العالم.

فالحرب التي تدور رحاها اليوم، سببها تمسّك أوكرانيا بالانضمام لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، ومطالبتها بنصب صواريخ متوسطة وبعيدة المدى برؤوس نووية، فوق أراضيها، وأيضاً بروز نزعة عدائية أوكرانية لروسيا الاتحادية ولثقافتها ولتراثها وتاريخها، وقد تسلّلت النزعة العنصرية النازية ضد روسيا في الفترة الأخيرة لدول أخرى بالقارة الأوروبية، حيث ازداد عدد الأحزاب اليمينية الشعبوية المتطرفة، كما بدأ وقعها السياسي يظهر في الحكومات والمؤسسات والهيئات الإدارية للدول الأوروبية على وجه الخصوص.

لهذا لم تكن مجريات الأحداث المتلاحقة مفاجئة للمتابعين، وضمنها رفض إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تقديم أي ضمانات لروسيا بعدم التمدّد العسكري والأمني، والتوقف عن تهديد مصالح روسيا الإستراتيجية، وتهديد الأمن القومي الروسي، ورفض الاتفاق على تبني سياسة مشتركة بين روسيا الاتحادية والغرب على قاعدة توازن الأمن في القارة الأوروبية، وانتهاج سياسة خاصة في التعامل مع روسيا عمادها الندية والتكافؤ والمساواة.

فكانت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا قد اشتركت في الحرب الدائرة في أوكرانيا بدعم من الولايات المتحدة بحجة تصميم روسيا على حرمان الغرب الأمريكي- الأوروبي من تحقيق أي نصر سياسي أو عسكري في أوكرانيا، وهو الذي دفع بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الإعلان عن نيّة روسيا تغيير عقيدتها العسكرية النووية، وذلك أمر مفهوم وبديهي، فما قيمة وجدوى الاحتفاظ بالسلاح النووي في الترسانة الروسية، إذا لم تكن قادرة على استخدامه بالدفاع عن نفسها أمام مخاطر حقيقية يتعرّض لها أمنها القومي والاستراتيجي؟.