دراساتصحيفة البعث

الولايات المتحدة.. لعبة محصلتها صفر

عائدة أسعد

مستشهداً بالعواقب العالمية الكارثية للأخطاء المحتملة، قال وزير الخزانة الأمريكي السابق لاري سامرز في منتدى “آسبن الأمني لعام 2024 “: إن إدارة العلاقة الناجحة بين الولايات المتحدة والصين هي التحدي العالمي الأكثر أهمية بالنسبة لنا.

وتعكس تصريحات سامرز المخاوف العالمية المتزايدة بشأن المسار الأخير للعلاقة المشحونة بين الصين والولايات المتحدة، والتي تبدو وكأنها في حالة انحدار ولا يمكن إنقاذها. ومع ذلك، يبدو أن واشنطن لا تتمتّع بالصبر وأخذ الحذر.

وكما أشار وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان في المنتدى، فإن الإدارة الأمريكية الحالية ليست في مزاج يسمح بهذا النوع من إدارة الأزمات، ناهيك عن رأب الصدع، وهي لا تبذل جهودها الشاملة لمواجهة الصين فحسب، بل إنها تبذل أيضاً كلّ ما في وسعها لعزلها دولياً.

لقد ظهرت الصين بشكل كبير في “آسبن” باعتبارها تهديداً أمنياً سائداً، ووفقاً لبلينكن وسوليفان، فإن بكين تمكّن روسيا من تنفيذ العملية العسكرية في أوكرانيا وتهدّد بـغزو جزيرة تايوان.

كما زعم وزير الخارجية الأمريكي أن الصين تعمل بشكل وثيق مع موسكو لتمكين روسيا من الالتفاف حول العقوبات الغربية، بينما سعى سوليفان إلى تعزيز الأرضية الأخلاقية العالية بقوله: “على الصين أن تتوقف لأننا نعتقد أنها خارج حدود السلوك اللائق من قبل الدول القومية وهو أمر غنيّ بالنظر إلى مسؤولية الولايات المتحدة عن الصراع”.

تجدرُ الإشارة إلى أنه بينما كرّرت بكين مراراً وتكراراً الحياد فيما يتعلق بالصراع المستمر ودعت إلى إنهائه عن طريق التفاوض، سعت الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى إطالة أمد الأعمال العدائية التي دبّرتها واشنطن وانتقدت التجارة الطبيعية بين الصين وروسيا باعتبارها دعماً لجيشها.

لقد كانوا يحاولون بناء صورة للصين باعتبارها المورّد الرئيسي للسلع ذات الاستخدام المزدوج التي تدعم القاعدة الصناعية العسكرية الروسية، ومن ثم فإنهم يقومون بتوسيع ما يسمّى بالساحة الصغيرة ذات السياج العالي التي صمّمتها واشنطن في الأصل لحصارها التكنولوجي ضد بكين إلى المجال الأمني.

إنها ليست المرة الأولى التي يحاول فيها كبير الدبلوماسيين الأميركيين استغلال الصراع الأوكراني لدق إسفين بين بكين وبروكسل، وذلك من خلال القول بشكل مخادع إن الصين لا تستطيع أن تقول إنها تريد علاقات أفضل مع أوروبا، في حين أنها تساعد في الواقع على تأجيج أكبر تهديد للأمن الأوروبي منذ نهاية الحرب الباردة.

ومن جانبه، سعى سوليفان إلى فعل الشيء نفسه مع الهند، محذراً إياها من تعميق العلاقات مع روسيا والصين وقال: “إن روسيا تقترب أكثر فأكثر من الصين، وباعتبارها الشريك الأصغر للصين لن تكون بالضرورة صديقاً موثوقاً به للهند في أي طوارئ أو أزمة مستقبلية”.

وفي غضون ذلك، أعلن عن دعم أميركي أكبر للفلبين في المواجهة الأخيرة مع الصين في بحر الصين الجنوبي، وأعلن أن الولايات المتحدة ستفعل ما هو ضروري للتأكد من أن الفلبين قادرة على إعادة إمداد السفينة الموجودة على “ريناي ريف”، والتي تستخدمها مانيلا لتعزيز مطالبتها بالجزيرة المرجانية، مع أن الأولوية الممنوحة لمهام إعادة الإمداد الفلبينية تتعارض مع ملاحظته الصحيحة بأن تهدئة التوترات بين الصين والفلبين هي أهم شيء في الوقت الحالي، لأن تلك المهام ستكون تصعيدية حتماً.

إن تصريحات المسؤولين الأمريكيين في المنتدى لا تؤدّي إلا إلى إظهار أن إدارة العلاقة مع الصين، بالنسبة للإدارة الأمريكية الحالية، تعني تصعيد المواجهة مع بكين عن طريق حلفائها ولتحقيق هذه الغاية، تريد منهم ألا يتعاونوا مع بكين مهما كانت التكلفة التي قد يتعيّن عليهم تحمّلها مقابل جهودهم التمكينية لمساعدة الولايات المتحدة في الحصول على ميزة تنافسية.