ثقافةصحيفة البعث

خير الله سليم والعالم الخلفي للأنثى في “حالات إنسانية”

ملده شويكاني

“أجمل الكلمات: الحياة والأمل والمحبة” يقول الفنان خير الله سليم الذي ربّما نفسه في إحدى لوحاته وهو يجلس قرب لوحته، تسكنه الأنثى التي بداخله، لتقف خلفه مطرقة بملامحها الجميلة وشعرها الأسود المنسدل، هذه الأنثى كانت محور معرضه “حالات إنسانية” الذي أقيم في صالة الـ”آرت هاوس”، فشغلت الحيز الأكبر في المعرض وكانت الشخصية المحورية التي تكررت في غالبية اللوحات بالملامح الجميلة ذاتها وبشعرها الأسود بعيدة عن البهرجة والاستعراض، فبدت قريبة من المتلقي ومن الحياة.

وقد اعتمد عليها الفنان سليم ليسرد من خلالها حكايات تعيشها الأنثى في حياتها الاجتماعية والعاطفية، وفي العالم الخلفي الذي يستخدمه الأدباء في كتابة رواياتهم، فأشار بتخيلاتها إلى العالم الذي تحلم به، وأحياناً تقنع نفسها والآخرين أنها تعيشه في لوحات عدة، منها اللوحة التي جمعت بين أنثى تتأمل وأخرى في أعلى اللوحة وتقصد إظهارها بصفات مغايرة وهي تعزف على الكمان، فجسد بالواقعية التعبيرية حيناً وبالتعبيرية حيناً آخر تشخيص جسد الأنثى بوضعية الجلوس بأشكال مختلفة، مركّزاً على التفاصيل من دون مبالغة أو إبهار، لتمثل الحالة الواقعية التي تعيشها وفي الوقت ذاته ترتبط بجسر خفي مع ذكرياتها وماضيها ومستقبلها، فكل لوحة كانت حكاية بحد ذاتها، تتحدد أطرها وعناصرها وسرديتها اللونية بالاتكاء على الهياكل الموجودة في الخلفية، فهناك أشخاص رحلوا لكنهم موجودون بالقلب والروح لا يغيبون.

ونوّه سليم بالارتباط العائلي القوي الذي تتصف به الأنثى، وفي حكايات أخرى يقترب من عالمها الذاتي فيصوّرها وحيدة وسط محيط اجتماعي يعج بشخوص عدة، وتارة أخرى يصرح بوحدتها القاتلة ببقائها وحيدة إلا من ظل رجل لا يفارقها، وفي حالات أخرى تبحث عن الأمان العاطفي برمزية احتوائها القطة، وبقيت أسيرة الانتظار في صور متعددة بفنية مباشرة بدلالة عقارب الساعة وبفنية غير مباشرة.

الملفت أنه اختزل الحياة التي تمضي بين الأسود والأبيض، فتحمل كل المشاعر الدائرة بين الحزن والفرح من خلال لوحة تكررت فيها صورة الأنثى بوجهين المضيء والمعتم، وبحضور الأنثى المتعبة المنهكة.

كما أظهر من خلال شخصية المهرج الفرح الذي تنشده الأنثى على الرغم ممّا يعتريها من حزن في الداخل.

ويكمل خير الله سليم بهذا المعرض مساره الفني المتعارف عليه بالتركيز على الأنثى ويعني من خلالها الإنسان، إذ صرح سابقاً “الأنثى مرآة للمجتمع، حاولتُ أن أقدمها كعنصر أساس في لوحاتي، لتحكي ما حصل في مجتمعنا خلال سنوات الحرب، فلكل لوحة قصة خاصة بها، ولها شخوصها التي تشبه أناساً من حولنا”.

الجديد هو حالة الفرح والتفاؤل التي بدت بألوانه المبهجة مثل الأصفر والأحمر والبرتقالي، ليعبّر عن تصميم سورية على الخلاص من الأوضاع الصعبة التي عاشتها في زمن الحرب وما زالت تعيشها في الحصار.

كما نوّع بألوان الثوب الذي ترتديه الأنثى ويختلف من لوحة إلى أخرى، وتميزت خلفيات اللوحات بهالات هارمونية لونية تساند فكرة اللوحة، واشتغل على الإيقاع الحركي بتدرج الفكرة بدور العناصر التي شغلت أعلى اللوحة وأرضيتها، لتبقى الأنثى جسد اللوحة، مستخدماً ألوان الإكليريك مع عجينة من مواد مختلطة.

بصورة عامة، اقترب خير الله سليم خريج كلية الفنون الجميلة ـ قسم الإعلان – من خط التحليل النفسي ومصارحة الأنثى لذاتها، موجهاً رسائله للمتلقي الذي يقرؤها من زاوية تقترب منه، سواء أكان رجلاً أم أنثى؟.

وبرأيي يوجد تقاطع ما بينه وبين أعمال الفنان الطبيب الدكتور ميسر كامل في زاوية ما.