ثقافةصحيفة البعث

خلال تكريمه.. حنا عبود: المشهد الأدبي اليوم ليس بأفضل حالاته

حمص- سمر محفوض

لأن البلاد تُعرف بمبدعيها في كلّ العلوم والآداب والفنون، ولأن حنا عبود أحد أعمدة النهضة الفكرية في البلاد، وهو الذي عمل سنوات طويلة في الحقل المعرفي والفلسفي النقدي والميثيولوجيا والأسطرة، فقد استحق تكريمه عن جدارة.

كما برع عبود في نقد الفكر السياسي والأدبي والاقتصادي، ونظرية الأدب إلى جانب الترجمة، ويعدّ أيضاً من أهم نقاد الشعر في النصف الثاني من القرن العشرين.

أمام هذا المشهد المتناسق من الإنجاز الإبداعي احتفت رابطة الخريجين الجامعيين بالتعاون مع الجمعية التاريخية بتكريم حنا عبود ضمن سلسلة كتب وأقلام من حمص، في متابعة لخطوات أحد البرامج الثقافية المستمرة في الرابطة، وتضمن حفل التكريم قراءات نقدية وشهادات لمبدعين وشعراء وكتّاب نهلوا من تجربة الناقد عبود أو تأثروا بفكره النير الخصب، وكانوا على صلة قريبة منه.

أولى الشهادات كانت للشاعر حسان الجودي المقيم في هولندا- قرأ الشاعر محمود نقشو القراءة بدلاً عنه- وجاء فيها: “لا يهمّ هذه الشهادة العرفانية.. الانتماء إلى المديح لأنها ليست كافية، بل هي محاولة متواضعة لتبني الخطاب العقلاني، معيدة شكلاً من أشكال الحوار مع حنا عبود.. المعلم الفكري والأب الروحي لعائلة كبيرة من المبدعين في حمص وسورية”، مشدداً على التأثيرات الثقافية العامة له في خلفية الإبداع الذي كان يغلف الجلسات في منزله، وإدارته العبقرية لمحاور ومواضيع الحوارات تلك، وقدرته على استكشاف عوالم الزوار من الكتّاب، فضلاً عن تحريض رغبة الإبداع لديهم.

وتناول موضوع الميثيولوجيا العالمية لدى عبود، والتي كانت تشكل حينها شغفاً خاصاً لدى الجودي، وقد بدأ بتشكيل نواة مشروعه الشعري، مقترحاً فيه قدرة المرأة على تغيير العالم جمالياً، وقد وجد في حوارات عبود عن الإلهات القديمات ما يناسب تلك الرؤى التي يبحث فيها، حيث شكلت قصيدة “مناهل” من مجموعة “رفقة الليل” ركناً مميزاً من أجواء تلك الحوارات، وهي احتفاء بالأنثى الخالقة ورهان جمالي وجودي عن تجليات الواقع، واصفاً حنا عبود بـ”بيت الكون الأمين”.

واسترسلت رشا علي في قراءة نقدية للروائي الفلسطيني حسن حميد، إذ أشارت خلالها إلى العلاقة التي ربطت حميد بالمبدع الموسوعي حنا عبود، متناولة حديث حول الذكريات، والعمل معاً، حيث إن الكتابة عن عبود مغامرة ومجهول وبقاع غير محدّدة بجغرافيا، توالد عنها أكثر من علامة راشدة، مشبهة الكتابة عن عبود بالكتابة عن المدن الواسعة التي مهما أمضيت فيها من أوقات فإنك لا تستطيع القول، إنك تعرفها أو تفيها حقها من الوصف.

ليشير الناقد والكاتب عطية مسوح في شهادته إلى أن حنا عبود، كاتب برتبة العارف، ولهذا يخشاه الأدباء والكتّاب والشعراء، متحدثاً عن علاقة الأدب بالعولمة عند المكرم عبود، وهو من أول النقاد العرب الذي أدخلها في سياق بحث المفكرين والنقاد العرب، ككتابه “البلاغة من الابتهال إلى العولمة”، ومؤلفه “حقول في الاقتصاد الأدبي”، حيث نلمس عرضاً علمياً موضوعياً لحضور العولمة في الأدب  والفن وتطور الإنتاج الأدبي وفق مقتضياتها، سلباً وإيجاباً، وانحياز أو مواجهة، فهو الذي بشّر بها أو يحدّد نهايتها، بل يتناول بموضوعية أثرها على الأدب والفنون، ويشير إلى جوانبها وتأثيراتها، وهو أول من أطلق عليها مصطلح “ملكية الشراهة”، معداً عبود مشكّلاً حالة شاهد عبر عصره من خلال ما قدمه في كتبه من موضوعات جديدة وأفكار مهمة، ما وضعه بمكانة خاصة سوف تبقى موضع تقدير الأجيال القادمة.

فيما استعرض كلّ من الدكتور عاصم كلالييب والشاعر عبد النبي حجازي شهادتيهما بالمكرم عبود، عبر سرد العديد من محطات الإبداع لديه.

أما الأديب عبود، فتوجّه للحضور بكلمة شكر عبّر فيها عن تقديره لكل الأدباء والشعراء الذين التقاهم، وكانوا في ذروة عطائهم، مؤكداً أن حمص تتميّز بتآلف نسيجها الرائع وبطيبة أهلها، وفي حديثه لـ”البعث” أشار إلى أن أقرب تكريم إلى نفسه وقلبه، حصل عليه كان من أصدقائه لأنهم لا يمثلون أي جهة سوى الصداقة والمحبة، ووصف المشهد الأدبي اليوم بأنه ليس بأفضل حالاته، وعلى النقد أن يكتشف بالنص المراد نقده بؤراً جديدة ويضيء عليها، لا أن يخضع النص لنظريته، مبيناً أن النقد الحديث استفاد من المنطق الوضعي فيما يتعلق بالواقع والميثيولوجيا والعلاقة بالخيال اللذين يشكلان أساس النقد الحديث، واليوم من الصعب تطبيق النقد التطبيقي على ما يُكتب ويمكن تسميته نقد استشرافي، ويسمّى ميثيولوجيا علم المستقبل، كما يرى عبود أن الفضاء الإلكتروني أتاح الفرصة أمام متواضعي الموهبة للظهور، فيما ضاعت المعاني في التشابه.