ثقافةصحيفة البعث

حسن سامي يوسف.. رحل ولم يكتب ما لا يشبهنا

أمينة عباس
شكّل رحيل الروائي والسيناريست حسن سامي يوسف الملقّب بـ”المعلّم” نظراً لإمكانياته العالية في الكتابة الروائية والدرامية، خسارة موجعة للساحة الفنية السورية والعربية كأحد أبرز كتّاب الدراما وهو الذي رفض حتى اللحظة الأخيرة من حياته أن ينقاد إلى الموجة الجديدة من الأعمال الدرامية التي لا تشبه الناس، يقول: “لن أكتب يوماً مسلسلاً لا يشبهُنا، حتى لو أصبحتُ عاطلاً عن العمل”، وهذا ما جعله غائباً عن الدراما منذ أن قدم عام 2017 مسلسل “فوضى” الذي تحدّث فيه عن تلك الفوضى التي أصبحت عنواناً لحياتنا التي نعيشها والتي لم ينجُ منها ككاتب حين أصبحت نصوصه بعيدة عن مقاسات ما يريده المنتجون.
من كان يتابع ما كتبه  على صفحته الشخصية قبل رحيله سيدرك حجم الألم الذي كان يكابد حسن سامي يوسف من خسارات مُني بها، كانت آخرها رحيل صديقه المخرج عبد اللطيف عبد الحميد حيث كتب حينها: “غادرَنا عبد اللطيف عبد الحميد.. غادرتني ثلاثٌ وأربعون سنةً من الصداقة اليومية، كنت أشكو خلالها همومي إليك.. كانت هموماً صغيرة، وتافهة، فلمن أشكو اليوم همّي الكبير؟”.
بعد النجاح الذي حققه مسلسله “فوضى” عام 2017 تعثرت مشاريع حسن سامي يوسف الدرامية، فالتفت إلى كتابة الرواية، حيث كتب “على رصيف العمر” كما كتب مسلسلين كبيرين، ثانيهما مأخوذ عن الرواية ذاتها، والأول هو ذاك الذي كان يبني عليه آمالاً كبيرة وكان من المقرر أن يؤدي بطولته الفنان تيم حسن، لكن المشروع توقف لأسباب غير معلنة، أما المسلسل الثاني المأخوذ عن روايته “على رصيف العمر” فقد عرضه أولاً على منتج صديق له كانت له معه تجربة إنتاجية ناجحة، وحين قرأ المنتج السيناريو قال له: “لا أستطيع تسويق هذا العمل”، وبعد فترة لاحت بوادر الأمل لديه في أن يرى العمل النور حين ظهر منتج آخر تم الاتفاق معه على كل التفاصيل لإنجازه، لكنه سرعان ما انسحب من المشروع.. يقول حسن سامي يوسف: “ذهبتُ إلى المنتج لأستوضح ملابسات هذا الانسحاب المفاجئ فقال لي: “لا يوجد أكشن في العمل، بينما تتطلب السوق اليوم هذا الأكشن” ويضيف يوسف قائلاً: “أنا كاتبٌ مغروسٌ في وحل الواقع ولا أستطيع صناعة مسلسل عالق في الفراغ وغير محدّد المعالم أكان من حيث الزمان أو المكان أو الشخوص، أو من حيث الهمّ قبل هذا كله، حتى لو أصبحتُ عاطلاً عن العمل قولاً وفعلاً”، وحينها قرر حسن سامي يوسف التفرغ لكتابة الرواية، وقد شرع فعلاً بكتابة رواية بعنوان “البرتقالة الزرقاء” غير أنه لم يتقدم فيها كثيراً، فالمشكلة الكبيرة برأيه هي أن الرواية في بلاد العرب لا تُطعم خبزاً وأن الكتابة التلفزيونية هي مصدر دخله: “أريد أن أشتغل، أن أكون فاعلاً في المجتمع، وخاصة أنني أتمتع بصحة جسدية لا بأس بها، أما صحتي الذهنية فهي أكثر من جيدة” وببقايا ضئيلة من الأمل شرع في كتابة مسلسل جديد بالشراكة مع زوجته بعنوان “صلاة الغائب”: “وإنْ لم يرَ هذا المسلسل النور فأيضاً لا بأس”.
اتجه الراحل إلى الرواية في مطلع الثمانينيات من القرن المنصرم، وكانت أولى رواياته “الفلسطيني” التي كتبها بعد أن كان شاهداً على الاجتياح الاسرائيلي، وكانت هذه الرواية هي الأولى من ثلاثيته الفلسطينية التي أطلق عليها اسم “التغريبة”، و”الزورق” ١٩٩٠ و”بوابة الجنة” ١٩٩٨ والتي تُعدّ علامة فارقة في أدب النزوح والشتات وهي ثلاثية لجيل ولِد إما عشية الشتات أو يوم الشتات، أي نهاية الأربعينيات، فالشخصيات تندرج ضمن هذه الفترة من حيث الولادة على الأقل، فتحدث عن ضياعه وبحثه المضني عن الحق والعدالة، وغالباً ما انتهى نهاية مأساوية كما في “الزورق” و”الفلسطيني” وفي عام 1996 كتب روايته الذاتية “رسالة إلى فاطمة” والتي تسرد جانباً من شبابه، فكان فيها البطل وقد حملت أفكاره من دون اللجوء إلى المواربة، يقول: “منذ شبابي البكر كان عندي طموح أن أجاري النموذج العالمي الذي يقوم على الجرأة في الكتابة كاعترافات جان جاك روسو، وإن كنتُ أعترف أنني لم أصل إلى هذا المستوى من الجرأة، لكنني استطعتُ الوصول إلى درجة من البوح كانت بمنزلة دعوة الآخرين إلى التحدث بصدق من دون تجميل أنفسنا”، ليخطّ في عام ٢٠٠٠ روايته “فتاة القمر” التي أعاد كتابتها تحت عنوان “الغفران” وفي عام 2003 أصدر كتاب “هموم الدراما.. دراسة في الدراما” وكان من ضمن منشورات مهرجان دمشق السينمائي، وخلال الحرب على سورية كتب رواية “عتبة الألم” التي تحولت إلى مسلسل “الندم” الذي أخرجه الليث حجو ليختتم مسيرته الروائية بـ”على رصيف العمر” والتي صاغ منها سيناريو لم يرَ النور.
حصل حسن سامي يوسف على منحة من قبل وزارة الثقافة لدراسة السيناريو السينمائي في الاتحاد السوفييتي، وبعد تخرّجه عاد موظفاً في المؤسسة العامة للسينما، وعيّن مديراً لدائرة النصوص، وكانت باكورة أعماله فيلم “الاتجاه المعاكس” للمخرج مروان حداد، وخلال تلك الفترة كتب سيناريو لفيلم من إنتاج القطاع الخاص وهو غابة الذئاب للراحل محمد شاهين ولاقى الفيلم رواجاً تجارياً جيداً ثم تابع وكتب السيناريو لعدة أفلام كان آخرها سيناريو “بوابة الجنة” إخراج ماهر كدو ٢٠٠٩ عن رواية له تحمل الاسم ذاته، كما كان مستشاراً درامياً لكثير من أفلام السينما السورية وبقي في المؤسسة حتى تقاعده مطلع الألفية الجديدة، وعُرِف بصداقته مع المخرج عبد اللطيف عبد الحميد، حيث تعاون معه درامياً في أغلب أفلامه.
وعلى من أنه فلسطيني الأصل كان يردد دوماً: “كلّ الأحلام ضائعة، وكلّ الطموحات مفقودة ما دام الوطن مفقوداً”، لكنه كان يرى أنه سوري في المقام الأول من دون أن ينفي فلسطينيته، وقد تحدث عن فكرته تلك في روايته “عتبة الألم” والتي تُعد بمنزلة سيرة ذاتية، حيث قال: “فلسطين أرض سورية اغتصبت بمؤامرة كونية فريدة من نوعها في تاريخ البشر.. هذا ما أؤمن به، وهذا ما لا أجادل فيه، وكنتُ وما زلت وسأبقى مؤمناً بأنني سوري أعطوه اسم فلسطيني، تماماً كما أن هناك حلبياً، حمصياً، إلخ”.