“استغلال عقاري” يحول دون تحويل مشاريع التطوير من “حبر على ورق” إلى واقع ملموس!
حسن النابلسي
الآن، وبعد أن استفحلت ظاهرة العشوائيات، وغزت جميع المدن والمناطق والبلدات، تضاربت الأفكار والمبادرات حول كيفية معالجتها والحد من انتشارها، خاصة وأنها ليست وليدة اللحظة وإنما تمتد بجذورها إلى سنوات طويلة مضت، وجاءت نتيجة أسباب عدة اجتماعية واقتصادية وثقافية، حتى بتنا أمام مشهد مشوه يستدعي تدخلاً جذرياً وليس إسعافياً، ومعرفة نقطة البداية لوضع برامج وآليات واضحة ومحددة المعالم، لاستئصال هذه الظاهرة السرطانية العقارية، وتحديد التدخل في المناطق حسب الأولويات التي تفرضها طبيعتها، هذا إن وجدت الإرادة الفعلية للتغيير، التي تستوجب الابتعاد عن القرارات الارتجالية الآنية التي لا تغن ولا تسمن من جوع، بل العكس قد تزيد الطين بِلّة، وينقلب السحر على الساحر.
ما سبق يستدعي بداية من الجهات المعنية ضرورة الوقوف على أسباب هذه الظاهرة ومعالجتها بهدف الحد من انتشارها قبل البدء بوضع أية آلية للتسوية، لاسيما في ظل وجود دراسات وأبحاث ولكنها حسب بعض المصادر الرسمية – للأسف – لا تزال حبراً على ورق، إضافة إلى طرق وتجارب عالمية يمكن الاستفادة منها بهذا الخصوص.
سرعان ما يتضح لنا وبحكم الاطلاع على مدينة دمشق المحاطة بحزام من العشوائيات أنه لا يوجد لدينا إستراتيجية عامة لمعالجة العشوائيات على مستوى سورية، مع الإشارة هنا إلى العشوائيات المحيطة بدمشق تحتل أكثر من ربع المساحة المبنية ويبلغ عدد سكانها أكثر من مليون نسمة وفق لبعض المصادر، التي اعتبرت أن مشاريع تطوير العشوائيات يجب أن تكون مدروسة على قدر كبير، وأن تتوجه نحو المناطق الأكثر تعقيداً وليس كما هو حاصل حالياً، حيث أن أي مستثمر أجنبي يأتي للاستثمار في سورية يترك له حرية اختيار مكان ونوعية المشروع، والأدهى من ذلك أنه في حال اختارت الجهة العامة المعنية بالمشروع المنطقة المستهدفة، تختار له مناطق خالية من أية إشكاليات، أو أنها تقدم له التسهيلات وتتعهد بإزالة الإشغالات دون أية مفاوضات معه حول تحمله بعض الصعوبات ويشاركها المسؤولية بالتطوير.
يحضرنا في هذا السياق ما سرده لنا أحد المعنيين بدراسة العشوائيات والارتقاء بها من حوار دار بينه وبين أناس يعتبرون أنفسهم مطورين عقاريين – حسب وصفه – وذلك خلال لقائه بهم في إحدى الندوات التي أقيمت قبل الأزمة، وكانوا وقتها يتنازعون على المناطق العشوائية الخالية من التعقيدات بغية الحصول على نسب بناء عالية لتشييد أبراج سكنية، فقال لهم: لماذا لا تستثمرون وتطورون المناطق المعقدة طالما أنكم مطورين عقاريين وطنيين؟
فأجابوه: إننا نبحث عن المناطق السهلة ذات الجدوى الاقتصادية.
فردّ عليهم: هذا استغلال عقاري وليس تطويرا عقاريا، لأنكم تريدون أخذ المناطق الزراعية وتستغلونها بعد تغيير صفتها العمرانية.
ما سبق يوضح حقيقة مطورينا وتهاون جهاتنا العامة بالتعاطي مع المشاريع الكبرى الإستراتيجية والحيوية، ويفرض على الحكومة أن تعيد النظر بسياساتها العقارية كافة، وأن تركز فيها على عامل المنفعة المتبادلة، والقيام بمبادرات جديدة تخدم السياسة الإسكانية، كأن تتعاقد مع مستثمرين أو تتشارك معهم وفق صيغ معينة مثل الـ “BOT” لبناء ضواحي سكنية عامة يتم تأجيرها لطالبي السكن بما يتناسب مع وضعهم المعيشي.