“الصهيونية”.. 88 عاماً من السرقة والنهب والإجرام
هيفاء علي
مقال للمؤرّخ أزكاري فوستر، يفضح فيه الأساليب التي استخدمتها الصهيونية، منذ بداياتها وحتى يومنا هذا، للاستيلاء على تراب فلسطين، إذ يشير إلى أن شراء الصهاينة للأراضي لم يسمح لهم بالسيطرة الفعلية على أراضي فلسطين، حيث إنهم في عام 1947، قبل إنشاء كيانهم مباشرة، كانوا يمتلكون 5.7٪ فقط من الأراضي، موضحاً أن الطريقة الأكثر فعالية التي استخدمها الصهاينة للاستيلاء على الأراضي هي السرقة، سواء تمّت بقوة السلاح أو بإجراءات غير قانونية تنطوي أيضاً على السرقة.
بالإضافة إلى فضح أساليب النهب هذه التي لم تتوقف أبداً، يذكر المقال بأن الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية بالقوة لم يبدأ عام 1948 بل بين عامي 1936 و1939 وبدعم من الجيش البريطاني، حيث كانت فلسطين في عام 1939 تحت الانتداب الذي منحته عصبة الأمم للمملكة المتحدة.
ثم قدّم نبذة تاريخية عن المراحل التي تمّ الاستيلاء فيها على فلسطين، أولاً الشراء، ثم الثورة والحرب، وأخيراً مرسوم الدولة. في المرحلة الأولى للصهيونية، التي بدأت في عام 1914، امتلك اليهود نحو 2% من فلسطين، وفي عام 1948 امتلكوا نحو 5.7%، أي نحو 1.5 مليون دونم من مساحة فلسطين الانتدابية البالغة 26.3 مليون دونم. وقد استمرت هذه الإستراتيجية حتى اليوم.
ولكن كان الحصول على الأراضي عن طريق الشراء أمراً مكلفاً وبطيئاً، وهذا يقود إلى المرحلة الثانية من الصهيونية، وهي الغزو. غالباً ما يُنسى أن الفترة الأولى التي حصل فيها الصهاينة على الأراضي عن طريق الغزو حدثت بين عامي 1936 و1939. خلال هذه الفترة، شرع العرب الفلسطينيون في ثورة مفتوحة ضد البريطانيين، عُرفت باسم الثورة العربية الكبرى.
وفي محاولتهم لقمع الانتفاضة، قام البريطانيون بتدريب وتسليح ودعم القوات شبه العسكرية الصهيونية، وسمحوا لها بإقامة مواقع استيطانية “أمنية”، اغتنم الصهاينة الفرصة على الأرض حيث كان المستوطنون اليهود يصلون إلى الموقع، ويقومون بسرعة ببناء برج مراقبة وعدد قليل من الكبائن المسقوفة في أقل من 24 ساعة، فيما كان يُسمّى بطريقة “البرج والحواجز”. وبسرعة كبيرة، تحوّلت “المواقع الأمنية” إلى مستعمرات زراعية. وهكذا أنشأ الصهاينة 57 مستوطنة جديدة في الجليل وغور الأردن ووسط وجنوب البلاد.
في عام 1948، احتلت القوات الصهيونية، 78% من فلسطين الخاضعة للانتداب البريطاني، وطردت 700 ألف فلسطيني من منازلهم، ثم شرعت في مصادرة الأراضي التي كانت في السابق مملوكة للاجئين. وقدّرت دراسة للأمم المتحدة عام 1951 قيمة الأراضي المصادرة بـ 16.3 مليون دونم، بما في ذلك الأراضي الخاصة والمجتمعية، في حين قدّر مسؤول الأمم المتحدة سامي حداوي حجمها بـ19 مليون دونم.
ومع ذلك، فإن معظم التقديرات تميل إلى الانخفاض بين 4.2 و6.6 مليون دونم من الأراضي التي صادرتها “إسرائيل” في أعقاب الحرب، وهذه أكبر عملية استملاك للأراضي في تاريخ الصهيونية. وفي حزيران 1967، احتلّ الكيان الإسرائيلي 22% المتبقية من فلسطين التاريخية، وهي الضفة الغربية وقطاع غزة. لكن هذه المرة، طردت قوات الاحتلال الإسرائيلية نسبة أقل بكثير من السكان الفلسطينيين واضطرت إلى تبني الإستراتيجية الثالثة والأخيرة للاستيلاء على الأراضي، بإصدار المراسيم. وكان المرسوم الأول، المعروف باسم قانون أملاك الغائب (الأمر العسكري رقم 58، الصادر في 23 تموز 1967)، مشابهاً لقانون أملاك الغائب لعام 1950 الذي استُخدم للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية بعد عام 1948. وخلال السنوات الأولى للاحتلال، تمّت مصادرة ما يقرب من 430 ألف دونم، أو 7.5% من مساحة الضفة الغربية، بهذه الطريقة. وكانت الإستراتيجية الثانية هي الإعلان عن أن الأرض مملوكة لدولة أو وكالة معادية. أعلن الأمر العسكري رقم 59، الصادر في 31 تموز 1967، أملاك الدولة أي أرض أو ممتلكات تابعة لدولة معادية أو تابعة لهيئة تحكيم مرتبطة بدولة معادية. وفي عام 1979، تمّت مصادرة 687 ألف دونم، أو 13% من مساحة الضفة الغربية، بهذه الطريقة.
وكانت الإستراتيجية الثالثة هي مصادرة الأراضي لأغراض “عامة”، وقد استخدم الكيان المحتل هذا المرسوم إلى حدّ كبير للاستيلاء على الأراضي اللازمة لبناء الطرق لخدمة شبكة المستوطنات الإسرائيلية. واليوم، معظم هذه الطرق متاحة للإسرائيليين فقط، وليس للسكان الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، مما يجعلها ليست طرقاً عامة بل طرق الفصل العنصري. وكانت الإستراتيجية الرابعة هي تصنيف الأراضي كمحميات طبيعية، حيث أصدر جيش الاحتلال الإسرائيلي الأمر رقم 363 في كانون الأول 1969، والذي فرض قيوداً على استخدام الأراضي للزراعة والرعي في المناطق المحدّدة كمحميات طبيعية. وفي عام 1985، تمّ تحويل 250 ألف دونم (أو 5% من مساحة الضفة الغربية) إلى محميات طبيعية، وبحلول عام 1997، ارتفع هذا الرقم إلى 340 ألف دونم.
ويختم المؤرخ المقال بتأكيد أنه في عام 2020، أنشأ الكيان المحتل 7 محميات طبيعية إضافية وقام بتوسيع 12 محمية طبيعية موجودة للحفاظ على السيطرة الإسرائيلية على المنطقة. ثم، في نيسان 2022، أنشأ أكبر محمية طبيعية جديدة في الضفة الغربية منذ ما يقرب من ثلاثة عقود، مما أدى إلى منع الفلسطينيين من الحصول على 22 ألف دونم إضافية. وكانت الإستراتيجية الخامسة هي مصادرة الأراضي لأغراض عسكرية. وفي الفترة من 1967 إلى 1975، أعلن الكيان أن 1.5 مليون دونم من الأراضي -26.6% من الضفة الغربية- مناطق عسكرية مغلقة، حيث تمّ تحويل جزء كبير من هذه الأراضي لاحقاً إلى مستوطنات يهودية، وأجبر حكم المحكمة العليا الإسرائيلية الصادر عام 1979 الدولة على تغيير إستراتيجيتها بشكل طفيف: أولاً، سيتمّ إعلان الأراضي الفلسطينية “أراضي دولة”، ومن ثم يمكن إعادة تخصيصها لبناء المستوطنات اليهودية.
ومن عام 1979 إلى عام 1992 تمّ استخدام هذا النظام لسرقة أكثر من 900 ألف دونم من الأراضي، والتي تمّ تخصيصها بعد ذلك بشكل شبه حصري للمستوطنات، واليوم يقع 1.2 مليون دونم (22% من مساحة الضفة الغربية) ضمن هذه الفئة من الأراضي. ويواصل الكيان الإسرائيلي استخدام هذه الأساليب الثلاثة للاستيلاء على فلسطين، ويستمر اليهود في محاولة شراء الأراضي من الفلسطينيين، وتستمر الدولة في إصدار قوانين جديدة وإصدار مراسيم جديدة لمصادرة المزيد من الأراضي الفلسطينية، وقد سيطر جيش الاحتلال على ما لا يقلّ عن 16% من منطقة غزة في الأشهر العشرة الأخيرة عن طريق الغزو العسكري المستمر حتى اليوم.