دراساتصحيفة البعث

الذكرى 55 لإحراق الأقصى

د. معن منيف سليمان

تمر اليوم الذكرى الخامسة والخمسون لجريمة إحراق المسجد الأقصى التي وقعت في الحادي والعشرين من شهر آب عام 1969، على يد أحد المجرمين الصهاينة بالتواطؤ مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي. ويحيي الفلسطينيون هذه المناسبة في كل عام بإقامة فعاليات ومهرجانات تؤكد تمسكهم بالمسجد الأقصى ومدينة القدس وكافة المقدسات الإسلامية والمسيحية فيها.

ففي مثل هذا اليوم من عام 1969، اقتحم يهودي متطرف استرالي الجنسية يدعى “مايكل دينيس” المسجد الأقصى، وأشعل النيران عمداً في الجناح الشرقي للمسجد، مستخدماً مادة لزجة سريعة الاشتعال، وقام برشها على المنبر كما قام آخرون بإشعال النيران من الجهة الجنوبية الغربية من الجامع القبلي، حيث أتت النيران على واجهات المسجد وسقفه وسجاده وزخارفه النادرة وكل محتوياته من المصاحف والأثاث، وتضرر البناء بشكل كبير، ما تطلب وقتاً طويلاً وجهداً كبيراً لإعادة ترميمه وزخرفته كما كان في السابق.

ولعل أبرز المعالم التي تضررت من الحريق مسجد عمر، بالإضافة إلى تخريب محراب زكريا المجاور لمسجد عمر، ومقام الأربعين، وثلاثة أروقة من أصل سبعة ممتدة من الجنوب إلى الشمال مع الأعمدة والأقواس والزخرفة. كما التهمت النيران منبر المسجد التاريخي الذي أحضره صلاح الدين الأيوبي من مدينة حلب.

جاءت هذه الجريمة بالتواطؤ مع سلطات الاحتلال في إطار سلسلة من الإجراءات التي قام بها الاحتلال منذ عام 1948، بهدف طمس الهوية الحضارية الإسلامية لمدينة القدس، فعندما شبّ الحريق قام الاحتلال بقطع الماء عن المصلى القبلي ومحيطه، وتباطأ في إرسال سيارات الإطفاء، في حين هرع الفلسطينيون إلى إخماد النيران بالطرق البدائية.

وكما جرت العادة في كل جريمة يقدم عليها الاحتلال قامت سلطاته بتبرئة المجرم وادعت أن سبب الحريق كان بفعل تماس كهربائي، ولكن بعد أن أثبت المهندسون العرب أنه تم بفعل فاعل، وقدمت الدلائل التي تدين الفاعل وأنها ستقدمه للمحاكمة، سارعت سلطات الاحتلال إلى الادعاء بأن المجرم ” مايكل دينيس” هو شاب معتوه ثم ما لبثت أن أطلقت سراحه فرحل إلى بلده استراليا بعد ذلك.

ولقد أثار الحريق استنكاراً دولياً وعربياً فأدان مجلس الأمن “إسرائيل” ودعاها إلى إلغاء جميع التدابير التي من شأنها تغيير وضع القدس. وعلى الصعيد العربي فقد خرجت مظاهرات واحتجاجات عارمة واجتمع قادة الدول العربية في الرباط يوم 25 أيلول 1969، وقرروا إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي وأنشأت صندوق القدس عام 1976، وعلى الرغم من الدعوات لعقد مؤتمر والمناداة بتحرير الأقصى والمقدسات إلا أن النتيجة كانت مخيبة عندما عقد مؤتمر القمة الإسلامي الذي اكتفى بالاستنكار والشجب. وقد علقت رئيسة وزراء الاحتلال حينذاك “غولدا مائير” على الموقف العربي قائلة:” عندما احترق الأقصى لم أنم تلك الليلة، واعتقدت أن إسرائيل ستسحق، لكن عندما حل الصباح أدركت أن العرب في سبات عميق”.

إن الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة للمسجد الأقصى بمنزلة حرائق مستمرة من حيث الأذى الضرر حيث تعمل سلطات الاحتلال على مواصلة الاقتحامات للمسجد والحفريات في محيطه ومحاولات التدخل في شؤون المسجد عبر فرض القيود على عمل دائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس واعتقال وإبعاد المصلين. ومنذ إحراق الأقصى يقوم آلاف المستوطنين الصهاينة سنوياً باقتحام المسجد بحراسة الشرطة الإسرائيلية، وسط استفزازات للمصلين وحراس المسجد من خلال محاولة أداء شعائر تلمودية.

وبموازاة ذلك فقد تصاعدت الدعوات الإسرائيلية خلال السنوات الماضية، لتقسيم المسجد الأقصى زمانياً ومكانياً بين المسلمين واليهود.

بالإضافة إلى ذلك، تصاعدت عمليات الاعتداءات الإسرائيلية على الكنائس والأديرة ورجال الدين، والممتلكات، والمقابر المسيحية، في محاولة لمحو طابع المدينة العربي والإسلامي والمسيحي الأصيل، وتجري هذه الانتهاكات مع تصاعد إجراءات تهويد المدينة المحتلة وتغيير طابعها الجغرافي والديمغرافي، وعزلها عن محيطها، واستكمال التطهير، والتهجير القسري لسكانها، في البلدة القديمة وأحيائها.

إن جريمة إحراق الأقصى لا تزال مستمرة حتى يومنا هذا، وهي التي أسست لكل الجرائم والانتهاكات التي يتعرض لها الأقصى، بما فيها الاقتحامات الممنهجة، فضلاً عن تكثيف الحفريات تحته وفي محيطه، ما يتطلب التدخل العاجل من المؤسسات والهيئات الدولية لكبح جماح “إسرائيل” ومنظماتها الاستيطانية والدينية التي تسعى إلى تفجير الصراع الديني في المنطقة.