ممر النقل الدولي خياراً ذهبياً للجنوب العالمي
هيفاء علي
إن اتساع المناظر الطبيعية ووفرة جميع أنواع الموارد الطبيعية في روسيا أصبحت اليوم وستظل دائماً مصدراً للقوة والهيبة لها، إذ يكشف التاريخ أن اتساع المناظر الطبيعية لا يوفر الموارد فحسب، بل يعد أيضاً مصدراً عظيماً للدفاع الطبيعي لروسيا ضد المعتدين. وبعيداً عن هذه النعم الطبيعية، فإن جيران روسيا المولعين بالحرب حاولوا دائماً احتواء صعود روسيا إلى التقدم والازدهار مع جيرانها. وفي الوقت الحالي، يعمل جيران روسيا على احتواء تجارة موسكو وتواصلها مع الجنوب.
وبالنظر إلى الخريطة، سيرى المرء أن منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) تتعدى باستمرار على حدود روسيا، حيث تقع سانت بطرسبرغ على بعد بضعة كيلومترات فقط من حلف شمال الأطلسي، ويتم غزو بحر البلطيق من خلال الوجود البحري والجوي لحلف شمال الأطلسي وحلفائه. وتقوم أنظمة المراقبة التابعة لحلف شمال الأطلسي بتتبع السفن العسكرية والمدنية الروسية عن كثب في بحر البلطيق، كما تعمل طائرات أنظمة الإنذار المبكر والتحكم المحمولة جواً (أواكس) على تشويش الاتصالات المدنية الروسية. بالإضافة إلى ذلك، أصبح بحر الشمال مرة أخرى نقطة ساخنة لقوات الحلفاء، وقوات الناتو الحريصة على عرقلة التجارة البحرية الروسية.
وهكذا، تخلق قوات الحلفاء وقوات الناتو باستمرار مشاكل للسفن الروسية، وتنتهك الأعراف والقيم الدولية الراسخة، وتعمل قوات الحلفاء وقوات الناتو على خلق المشاكل للتجارة البحرية الروسية في بحر سلتيك.
ومن الجدير بالذكر أن قوات الناتو والقوات المتحالفة لها وجود هائل في البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر وبحر العرب.
وبالتالي، فإن وجود الحلفاء وحلف الناتو في بحر البلطيق وبحر الشمال وبحر سلتيك والبحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر وبحر العرب له أهداف وغايات إستراتيجية، حيث تحتوي هذه البحار المائية على طرق تجارية دولية مهمة للغاية، وفي نظر القانون الدولي واتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، تعتبر هذه المياه تراثاً جماعياً ومشتركاً لجميع البشر، دون أي تمييز.
ومن خلال انتهاكه الصارخ للقانون الدولي واتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، ضمن الناتو أن روسيا أصبحت تدرك تماماً الحاجة إلى حماية مصالحها الوطنية، والتحايل على التحديات التي تفرضها القوات المتحالفة وقوات الأطلسي. ويُعَد ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب بديلاً محتملاً لتجنب المواجهة والعداء مع الغرب.
يبدأ الممر من موسكو ويصل إلى فولغوغراد، ومن هناك يسلك طريقين: الأول يمر عبر بحر قزوين، والثاني عبر البر من أستراخان إلى باكو، أذربيجان. ومن هناك ينوي الدخول إلى إيران والربط بين بندر عباس وميناء تشابهار.
ويهدف المسار بعد ذلك إلى ربط هذين الميناءين البحريين بميناء مومباي الهندي، وقد تم توقيع اتفاقية إنشاء ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب في البداية بين روسيا وإيران والهند في عام 2001 لتطوير الطريق. وكان الهدف هو نقل البضائع بين روسيا والقوقاز وآسيا الوسطى وأوروبا وجنوب آسيا عن طريق السفن والسكك الحديدية والأرض.
يشمل مشروع ممر النقل الدولي أذربيجان وأرمينيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان وعمان وطاجيكستان وتركيا وأوكرانيا، ويعمل على تقليص المسافة التي تفصل بين بلدان الجنوب العالمي إلى النصف، كما ستنخفض أوقات الشحن إلى 15 يوماً، مقارنة بـ 45 يوماً سابقاً. وبالتالي فإن الفحم الروسي يمكن أن يصل إلى الهند، وكذلك تستطيع إيران توفير مليارات الدولارات من تكاليف النقل والشحن. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أيضاً نقل الفحم الروسي وغيره من المواد الهيدروكربونية إلى الصين باستخدام نفس خطوط الشحن. وفي حال توصلت باكستان إلى اتفاق مع الإيرانيين، فمن الممكن أن تصل المنتجات الروسية إلى الصين عبر الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني.
ومع ذلك، بدون أو مع الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، يمكن أن تستفيد صناعات السكك الحديدية والصناعات البحرية الإيرانية مؤقتاً من ممر النقل الدولي.
بعبارة أخرى، يعد ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب خياراً ذهبياً لجنوب الكرة الأرضية لتحسين الاتصال الإقليمي وحتى خارج المنطقة. ويتعين على حلف شمال الأطلسي والقوات المتحالفة معه أن يفهموا أن روسيا قوة عظمى، وأن لها كل الحق في الحفاظ على مصالحها الوطنية، وأن يفهوا أن عرقلة روسيا واحتوائها لن تنجح.
إن الجنوب العالمي المتعطش للطاقة يحتاج إلى الموارد الطبيعية الروسية، ويعد ممر النقل الدولي فرصة مثالية لإطعام الجنوب العالمي، حيث تعمل روسيا على خلق خيارات إستراتيجية أخرى لجميع دول العالم، ويمكن لهذا الحلم أن يتحقق مع شركائها العالميين. وهكذا يعد ممر النقل الدولي مبادرة إستراتيجية رئيسية لديها القدرة على تغيير حياة بلدان الجنوب، وينبغي تقدير مثل هذه المبادرات واعتمادها من أجل مصلحة جميع الأمم.