رأيصحيفة البعث

“مفاوضات الهواء” شرعنة للاحتلال

بشار محي الدين المحمد

من يتابع التعويل الأمريكي المرتفع على عملية التفاوض، تخدعه الظنون بدور سلمي غير مسبوق لإمبراطورية الشر في العالم، فيحسب أنها بدّلت دورها إلى “نشر” السلم بعد طول غطرسة واستغلال للشعوب، مع أدواتها في المنطقة والعالم.

ولكن على الأرض، وللأسف، نصطدم بكل ما هو مغاير لـ “مفاوضات الهواء” الأمريكية، وتتوجه الأمور نحو مزيد من التعقيد بفعل الحماقة المتواصلة من أداتهم الإسرائيلية، المستمرة في ارتكاب جرائمها في غزة، واغتيالاتها لقادة في محور المقاومة، واعتداءاتها المستمرة على سورية ولبنان واليمن وإيران، ليسقط الوعد الأمريكي بتحقيق تقدّم في مسار التفاوض كان من المفترض أن يتجسد نهاية الأسبوع الماضي على أكثر تقدير، وفقاً لـ “بايدن”، بالتوازي مع حركة إقلاع وهبوط متكرر لمبعوثي الإدارة الأمريكية إلى المنطقة الذين، رغم حلهم وترحالهم، لم يبنوا سوى قصور من الرمال في منطقة لطالما أرادوها أن تشبه الرمال في عدم استقرارها وصراعاتها لحصد مزيد من السيطرة على مقدراتها.

فرغم الزيارة التاسعة لبلينكن إلى المنطقة منذ “طوفان الأقصى”، ما زال نتنياهو يتمسك بأمور ثانوية وتفاصيل هامشية، من قبيل عدم انسحاب جيش حربه من محور فيلادلفيا ومعبر نتساريم، مدعياً أن لذلك خلفيات “استراتيجية”، لا أمنية، في حين يعلم تمام المعرفة أن المقاومة الفلسطينية لن ترضى بمفاوضات تقتطع أي شبر من أرض غزة، متوعدةً بإحالة تلك المحاور، إلى محاور للنار والموت، إن لم يغادرها الأخير مع قوات حقده؛ ما يعني أن نتنياهو لا يقدم سوى المزيد من التسويف والمماطلة، مع عدم الموافقة على إيقاف إطلاق النار الدائم، ووضع شروط جديدة لتبادل الأسرى، ما يشير إلى سوء النوايا قبل الحضور إلى التفاوض، وإلى تصلب تفاوضي، وطموح بتحقيق مكاسب تفاوضية وفق اشتراطاتهم، والهدف هو محاولة تلميع نتنياهو وإعادة تدويره أمام شارعه الذي سئم مغامرات نتنياهو، ولا يشغله سوى عودة من تبقى من أسرى في قبضة المقاومة التي بادرت إلى إبداء المرونة في الموقف بهدف تحقيق جدية الحل التفاوضي، إزاء تصلب نتنياهو، بل جنوحه نحو نسف المسار التفاوضي برمته، والسعي لـ “القضاء” على المقاومة وجرّ حلفائه إلى حرب يدفعون فاتورتها كحل لأفقه المسدود الذي لم تنفعه “اتفاقات أبراهام” و”آمال التطبيع” و”الاندماج”.

نتساءل أمام ما ذكر آنفاً: ما الذي ستفعله الإدارة الأمريكية “المتفائلة” لـ “إجبار” حكومة التطرف الإسرائيلية على التهدئة والجدية في التفاوض؟ هل ستفرض العقوبات، أم ستقطع الدعم، أم سترسل مزيداً من مندوبيها، أو حتى تمثل مسرحية معاقبة قيادات في جيش حرب العدو مرة أخرى؟

الجواب بالتأكيد عكس ذلك، فالواقع يزخر بالدعم العسكري وصفقات الطائرات والقنابل التي تغدقها واشنطن إلى الكيان بالجملة، حتى اللحظة، ومع – أو حتى من دون – موافقة الكونغرس، على شكل “مساعدات طارئة”، فيما الجيش الأمريكي وأساطيله يعملون كفزاعة في المنطقة لمصلحة إسرائيلية، ووفقاً لأهواء نتنياهو، ملوّحةً بتوسيع الحرب في المنطقة، بعد فشل الكيان على مدار شهور في كسر معادلة المواجهة لدى المقاومة، المستمرة بغزارة نيرانها من حيث الكم والنوع والمدى وحجم إلحاق الخسائر.