دراساتصحيفة البعث

“هدف إنساني” مزيف غارق  بالدماء

عناية ناصر

اعترفت “إسرائيل” والولايات المتحدة بوضوح تام أن أي قرار لوقف إطلاق النار يتعلق فقط بإعادة الأسرى الإسرائيليين، حيث أظهر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن خلال التصريحات التي أدلى بها ونشرتها وزارة الخارجية الأمريكية أن هدف زيارته إلى” إسرائيل”، واضح بقوله:” إن تركيز زيارتي ينصب بشكل مكثف على استعادة الأسرى، وإتمام وقف إطلاق النار”. وعلى هذا فإن تركيز الولايات المتحدة واضح بأنه في غير محله، لأن إنهاء الإبادة الجماعية ينبغي أن يكون الهدف الرئيسي لبلينكن.

هناك أهدافاً إنسانية أكبر بكثير نتيجة للإبادة الجماعية التي ارتكبتها” إسرائيل” في غزة، وعودة الأسرى ستكون بعيدة كل البعد عن سلامة وأمن الفلسطينيين، الذي يتعرضون باستمرار للتهجير القسري والقصف والذبح، ويواجهون أمراضاً معدية مختلفة، ويتضورن جوعاً ويدفنون تحت أنقاض منازلهم..

يصور إسحق هرتسوغ العالم بأسره باعتباره تهديداً خطيراً لـ “إسرائيل”، متجاهلاً أن” إسرائيل” هي التهديد الأكبر للعالم، كما زعم أن “إسرائيل” محاطة بالإرهاب من أركان الأرض الأربعة وأنها تقاوم كأمة قوية ومرنة، متناسياً أنها كيان استعماري استيطاني عدائي يقوم على أيديولوجية توسعية، ويتغذى على التطهير العرقي واغتصاب الأراضي.

لقد أصبحت الإبادة الجماعية مجرد أداة أخرى في عملية الاستعمار الاستيطاني، وقد أضفى المجتمع الدولي الشرعية على جرائم الحرب التي ترتكبها “إسرائيل” من خلال صمته.

إن المجتمع الدولي مثله مثل” إسرائيل”، ليس لديه أي تحفظات بشأن قيام قوات الاحتلال الإسرائيلي باستهداف الأسرى، بينما تقوم بقصف الفلسطينيين في غزة، لأن “الأسرى” أصبحت الآن مجرد كلمة دبلوماسية يتم من خلالها تنفيذ الإبادة الجماعية دون عقاب.

لا يهتم هرتسوغ ولا نتنياهو ولا المجتمع الدولي كثيراً ببقاء الفلسطينيين، فهناك قضايا أكبر على المحك، أحدها ضمان قدرة “إسرائيل” على استهداف أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين حتى تتمكن العملية الاستعمارية الصهيونية من المضي قدماً، ولكن أين هي المخاوف الإنسانية التي يرى هرتسوغ أنه من المناسب أن يوضحها؟ كيف لا يكون هناك “هدف إنساني أعظم” عندما تقوم “إسرائيل” بقصف غزة بموافقة ضمنية ممن يسميه رئيس الكيان الإسرائيلي “كل قيادات العالم”؟

من جهته، لا يرى وزير الأمن القومي الصهيوني اليميني إيتامار بن غفير أي تناقض بين قصف غزة وعودة الأسرى الإسرائيليين، حيث صرح بأن الأسرى المتبقين لا ينبغي إعادتهم إلا من خلال الضغط العسكري المكثف، ووقف دخول الوقود والمساعدات الإنسانية إلى غزة، وليس من خلال صفقات غير مسؤولة من شأنها أن تجلب المزيد من الأسرى والقتلى في المستقبل.

إن هرتسوغ وبن غفير وجهان لعملة صهيونية واحدة، وتعريفهما الوحيد للهدف الإنساني هو القضاء على  أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين، بحجة عودة الأسرى.

إن سياسة الإبادة الجماعية التي تنتهجها دولة الاحتلال تتمثل بالقضاء على الفلسطينيين لإنقاذ الأسرى، واستهداف الفلسطينيين حتى لو كان ذلك يعني عدم إنقاذ الأسرى،لأنه لا شيء أهم من السرقة غير المشروعة لأكبر قدر ممكن من الأراضي الفلسطينية، مع استهداف أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين الذين يعيشون عليها، في تجسيد لجوهر الصهيونية. أما “الهدف الإنساني” الزائف الذي يروج له هرتسوغ فهو غارق بدماء الفلسطينيين.