“البخيل” أولى تجارب رنا جمول الإخراجية
أمينة عباس
عوَّدتْنا الفنانة رنا جمول، التي تكاد لا تغيب عن المسرح الذي تعشقه، الوقوف على خشبته بحضورها المميز ممثلةً بارعةً في تجسيد شخصياتها، لكنها اليوم ومن خلال مسرحية “البخيل” التي تُعرَض يومياً على مسرح الحمراء، قرّرت النزول من على الخشبة إلى وراء الستار لتخوض كمخرجة تجربتها المسرحية الأولى بعد خبرة ثلاثين عاماً من حياتها قضتها في التمثيل لتقود الممثلين المشاركين في عرض مسرحي يحمل توقيعها، تقول: “رغبتي في خوض غمار الإخراج ليست وليدة الساعة، فهي رغبة قديمة في داخلي، ومنذ أكثر من عشر سنوات أردتُ ترجمة هذه الرغبة، لكن الظروف حالتْ دون تنفيذها، وظلَّ الأمر مؤجلاً إلى أن تحققت اليوم ورأى عملي الأول “البخيل” النور، لأقدّم من خلاله رؤيتي للمسرح الذي أحبّ أن أحضره وأشاهده، وهذا الأمر هو الذي دفعني أكثر للتفكير بالإخراج”.
ولا تنكر جمول بعد خوضها لتجربة الإخراج أن عمل المخرج أصعب بكثير من عمل الممثل: “يهتمّ الممثل بتجسيد دوره، وغايته أن يشعر بالمتعة وأن ينجح، أما المخرج فتقع على عاتقه مسؤولية كبيرة جداً اتجاه العمل ككل واتجاه كلّ العاملين فيه، وهو أمر كان جديداً عليّ، كما كان متعباً وممتعاً بالوقت نفسه، لكن لكوني ممثلة بالأساس، فقد ساعدني ذلك على أن أضع نفسي مكان الممثل فأشعر بإحساسه وأدرك ما يحتاجه ويريحه”.
ولم يكن اختيار جمول المخرجة للكاتب الفرنسي موليير ونصّه الشهير “البخيل” محض مصادفة، فهو من الكتّاب الذين تميل جمول إلى كتاباتهم، وكان من النصوص التي تحلم بتجسيدها، تقول: “يعجبني في موليير أنه كاتب فطري وشديد الذكاء، وكانت لديه قدرة كبيرة على كتابة نصوص ذات بنية قوية ومتينة تجعل من يتكئ عليها في منطقة الأمان”.
وعن مضمون مسرحية “البخيل” تخبرنا جمول: “نقيصة البخل من أبشع النقائص، وأتساءل كيف لا ينتبه البخيل إلى أنه سيموت يوماً ما، وأن هذه الأموال التي يخبئها لن يستمتع بها ولا يترك غيره يستمتع بها، ويبقى السؤال لماذا يفعل هذا؟” وتضيف قائلة: “اتبعتُ أسلوب الفودفيل والغروتيسك الذي يركز على الكوميديا والطرافة بعيداً عن المبالغة، وغيّرت في النص واختصرتُ بعض الشخصيات، مع الاحتفاظ بالشخصيات الأساسية، وقدمتُ حلولاً بطريقة مختلفة، وغيّرت النهاية، وما بين ما كنتُ أفكر به وما أنجزتُه كان هناك تطابق، وهو أمر أسعدني كثيراً.. وعلى صعيد اختيار الممثلين لم أعانِ، حيث تخيلتُ ما يناسب كلّ شخصية من الشخصيات من خلال الممثلين الذين أعرفهم، واستطعتُ تجاوز أي مشكلة ببساطة وبطريقتي في عدم تعقيد الأمور”.
وعلى غير عادة معظم الممثلين الذين يخوضون تجربة الإخراج نحّتْ جمول الممثلة ذاتها جانباً ولم تزج بنفسها ولو بدور صغير في العرض: “أردتُ التفرغ لمهمّتي كمخرجة والتركيز على عملي من دون أن يشوب ذلك وجودي كممثلة ولو بمشهد واحد، لأنني مدركة تماماً أن وجودي كممثلة سيشغلني كثيراً وسيجعلني أفكر بنفسي كل الوقت، وهذا سيشتّت تفكيري، خاصة وأنني من النوع الذي لا يستطيع تقسيم عقله بين أمرين، لذلك ضبطتُ نفسي وأخمدتُ رغبتي في التمثيل لأركّز على العمل بكليته”.
ورداً على سؤال “أين وجدتِ المتعة أكثر في التمثيل أم في الإخراج؟” تجيب جمول: “المتعة موجودة في الاثنين معاً، ومتعة الإخراج يشوبها التوتر والقلق والخوف أكثر من التمثيل، لكنني لا أنكر أن متعة الإخراج قد تكون أكبر قليلاً لأن متعة الممثل تكون بنجاح دوره، أما متعة الإخراج فهي بنجاح العمل ككل، وهي متعة مضاعفة”.
يُذكر أنّ “البخيل” من إنتاج مديرية المسارح والموسيقا- المسرح القومي، وهي من بطولة خالد زياد مولوي، وآلاء عفاش، وزينة المصري، وعلي حميدة، وأحمد الحميدي، وخوشناف ظاظا، وأنّ “البخيل” واحدة من أهم مسرحيات “موليير” ومن روائع المسرح العالمي، كتبها سنة 1668 وهو في عمر الخامسة والأربعين، ويجمع النقاد على أنها أفضل مسرحية كوميدية كُتِبت على الإطلاق، وهي أنموذج لأدب “موليير” المسرحي، وعُرضت في المسرح الفرنسي 2078 مرة بين العام 1963 وعام 1968.