اقتصادصحيفة البعث

فواتير المطاعم بـ “السطل” المثقوب “مخالفة”.. وفضائح نظام التحقق الإلكتروني عند “الكاشيرية” والمحاسبين

دمشق – علي بلال قاسم

تقديم الفاتورة للزبون داخل دلو “سطل” منمّق ومزخرف، أو ضمن سلة بلاستيك أو خيزران، وفي حالات أكثر واقعية مربوطة بكيس من خيش، وكلها أوعية تكبر أو تصغر حسب قياس ونمرة الفاتورة.. هو المشهد الجديد في منشآت الإطعام والكافيتريات، فكميات العملات وقيمة الرقم الذي يستلزم وعاءً يتسع لعدد كبير من الرزم، فرضت حالة جديدة من التعاطي مع مدفوعات الطاولات وتكاليف وجبات وموائد الفطور أو الغداء أو العشاء لا مكان فيها لذلك المجلد الناعم الذي لا يرى فيه بضعة وريقات من عديد الفئات الصغيرة أو الكبيرة، ليكون الحاضر الأبرز اليوم شكلاً وأنموذجاً لا يرتقي لحضارة ومستوى مطاعم ليست شعبية فقط بقدر ما هي من سويات النجوم المتقدمة، وهي نفسها التي فرضت عليها الهيئة العامة للضرائب والرسوم تطبيق آلية نظام التحقق الإلكتروني لإصدار الفواتير منذ سنوات، وهي اليوم مع شريكتها وزارة السياحة عاجزة أو غير عابئة بضرورة إيجاد حلّ أو طريقة لتجنّب ذاك الحرج وجمل مشاهد السخرية ومقاطع “التنمر” بحق اقتصاد مشوّه وتضخم في قيمة العملة وصل حدود الانتفاخ المريض! 

في مجريات الأمور على الأرض يسرد العاملون في هذا القطاع من نوادل ومضيفين ومشرفين وكباتن ومدراء صالات الكثير من الأحداث التي تصنّف بالمؤسفة لآلية تسليم الفاتورة واستلام قيمتها من الزبائن، فمع فصول التعجب والاستغراب من الأرقام الكبيرة، تبدأ رحلة الاستلام والتسليم بانتظار استقدام المبلغ من السيارة أو حتى المنزل ووضع الكتلة الضخمة في الوعاء الكبير أو الكيس المنتفخ، مروراً بتصدي أكثر من عامل لتوصيل المبلغ إلى أجهزة العدّ الآلية واضطرار الزبون لانتظار مهمّة التأكد من الرقم الذي يطابق الفاتورة التي تصل وفق تأكيد الكثيرين إلى الملايين من فئة الخمسمئة أو الألف والألفين، وإذا كان النادل من المحظوظين تكون الرزم من فئة الخمسة آلاف.

قد تكون الأمور في هذا الجانب نتيجة طبيعية لظرفية الوضع الاقتصادي وتراجع قيمة العملة الوطنية، ومع مرور الوقت تصبح اعتيادية بالنسبة للعين اليومية، ولكن ثمة ما هو أخطر في سياق تعاطي أصحاب المنشآت وأدواتهم من كاشيرية ومحاسبين، من المفترض أن تكون أنظمتهم وبرامجهم المحاسبية معتمدة ومربوطة بشكل مباشر مع إدارة الضرائب، وذلك بهدف تحديد رقم العمل الفعلي الحقيقي لكلّ منشأة، وما يؤمّن الدقة في المعلومات المتعلقة بالمنشأة بعيداً عن أية عوامل شخصية في تحديد رقم العمل، وهنا يسجل الواقع فنوناً من التهرب الضريبي والتلاعب بفواتير وتحميل الكثير منها على طاولات يصنّف روادها بالدسمين والذين لا يعنيهم الرقم الهائل كبُر قليلاً أم صغُر، لدرجة صرح أحد العارفين ببواطن الأمور بأنه ما من مطعم يخسر حتى ولو فتح طاولة واحدة في اليوم، هذا إذا لم نتطرق لتعداد الطلبيات الخارجية وما يطلق عليه بالسفري والذي أصبح دارجاً ومسيطراً هذه الأيام، وكله يلبى ويقدّم ويرسل بدون الفواتير النظامية المربوطة مع المالية، حيث تتعاظم وتستفحل مرابح المطاعم وإداراتها.

ومع أن وزارة المالية تؤكد مراراً أن تطبيق آلية نظام التحقق الإلكتروني لإصدار الفواتير لا يرتب أي ضرائب أو رسوم جديدة على المنشآت الخدمية والفعاليات الاقتصادية على اختلافها وتنوعها، إلا أن العجب العجاب في ذلك الحجم الكبير من التلاعب والغش في الفواتير، إن بدأت بتمرير الكثير من الفواتير الدسمة خارج نظام الفوترة المربوط بالجهاز الضريبي، فلن تنتهي عند فنون وأساليب التواطؤ التي يمارسها المراقبون وموظفو المالية مع أصحاب المنشآت بهدف غضّ النظر أو تمرير أو حياكة تلاعبات وارتكابات تفوت على موازنة الدولة الكثير من النسب والحصص المفروضة بالقانون.

وما يدعو للاستغراب أن تسارع وزارة المالية، ومعها وزارة السياحة، للتحرك ومخالفة وضبط أي منشأة تسجل شكوى بحقها أو تنشر وسائل الإعلام ومنصات التواصل مخالفة صريحة، في وقت لا حاجة لكلّ هذه التمثيليات، فالأنظمة المربوطة إلكترونياً كفيلة بكشف كلّ التلاعبات والأخطاء من قبل الموظف مباشرة – هذا إن رغب وأراد تطبيق القانون – بعيداً عن حقيقة التوافق المصلحي مع أصحاب المنشآت للصالح الشخصي وليس خدمة للزبون أو المالية والضريبة العامة، هو تراخٍ في الرقابة يدفع أصحاب المطاعم والمنشآت السياحية إلى فرض الأسعار التي يريدون، أو لجهة فرض ضرائب غير مباشرة، إذ إن فواتير تلك المنشآت تتضمن بنوداً مثل رسم إعادة الإعمار، والإدارة المحلية وغيرهما من البنود الغريبة والعجيبة، مع التنويه بأن القانون ينصّ على فرض رسم الإنفاق الاستهلاكي على الزبون، والذي سيسدّده المواطن للمنشأة السياحية أو المطعم. ولكن الأهم من ربط البرامج المحاسبية بشبكة برمجية بالإدارة الضريبية، الذي يتمّ بموجبها تحديد الأرقام الحقيقية للإيراد، واستيفاء ما يسدّده الزبون من رسم الإنفاق الاستهلاكي لمصلحة خزينة الدولة، هو التدقيق والمتابعة والقيام بجولات حقيقية لضبط المطاعم المخالفة، لا الاكتفاء بفتح طاولة “رشوة”، والقيام بزيارات بريستيجية “لقبض المعلوم” مقابل غضّ النظر، علماً أن نسبة ضريبة الدخل 2.5 بالمئة وهي محدّدة برقم الأعمال، أما ضريبة الرواتب والأجور فهي نصف بالمئة، ورسم الإنفاق الاستهلاكي هو 5 بالمئة على فئة نجمتين و3 نجوم، و10 بالمئة على فئة 4 و5 نجوم، وهي رسم يضاف على الفاتورة يسدّده المواطن مباشرة، ومن واجب المنشأة إدخال الرسم مؤقتاً بصندوق المنشأة حتى يورّد في نهاية الشهر إلى الخزينة.