أزمة المصرف المركزي الليبي
هيفاء علي
أفادت وسائل إعلام ليبية بأن مسلحين مجهولين خطفوا مدير مكتب محافظ مصرف ليبيا المركزي راسم النجار وثلاثة موظفين بالمصرف، وذلك في خضم أزمة حول تعيين محافظ جديد، حيث تحيط أزمة بمصرف ليبيا المركزي بعد إعلان المجلس الرئاسي مؤخراً عن تسمية محافظ جديد، وإعادة تشكيل مجلس إدارة المصرف، وهو ما رفضه مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة.
وكان المجلس الرئاسي قد أعلن مطلع الأسبوع الماضي، تعيين محمد الشكري محافظاً جديداً للمصرف المركزي، وإقالة المحافظ الحالي الصديق الكبير، وهو ما سارع مجلس النواب وكذلك المجلس الأعلى للدولة لرفضه، مؤكدين أن تعيين المحافظ من اختصاصهما، وليس اختصاص المجلس الرئاسي.
وقد أدانت عدة جهات حكومية ومالية محاولة اقتحام مقرّ المصرف المركزي، معتبرةً أن هذا الاقتحام يمثل تهديداً خطيراً لما تبقى من المؤسسات وقوانين العملية السياسية، ويفاقم الوضع الاقتصادي الهشّ.
من جانبها، أدانت الفعاليات الوطنية في مصراتة اقتحام مقر المصرف، معتبرةً أن هذه التحركات تمثل السلوك العبثي الخارج عن القانون، وتساهم في القضاء على ما تبقى من مؤسسات الدولة، مضيفةً أن المجلس الرئاسي والجهات المتعاونة معه يتحمّلون المسؤولية القانونية عن اقتحام المركزي لتمكين إدارة جديدة بشكل غير قانوني، وما سيترتب عن ذلك من أضرار مباشرة على الدينار الليبي والاقتصاد الوطني ومعيشة المواطن.
ومن جهته، وجّه محافظ مصرف ليبيا المركزي، الصديق الكبير، تحذيرات شديدة اللهجة إلى النائب العام ووزير الداخلية المكلف، وذلك بعد محاولة تغيير غير قانوني لملكية النطاق الخاص بالمصرف إلى بريد إلكتروني لا ينتمي للمصرف، مشيراً إلى أن هذا التغيير سيتسبّب في توقف نظام التواصل مع العالم الخارجي، مما يهدّد بقطع الصلات الحيوية مع المنظومة المالية الدولية، وموضحاً أن هذه الخطوة، تأتي في وقت تتصاعد فيه التوترات السياسية والأمنية في البلاد، وهو ما قد يعرّض الاستقرار المالي والاقتصادي للخطر.
تأتي هذه التطورات في ظلّ تزايد الضغوط الدولية على ليبيا، حيث يحذّر الخبراء من أن أي إجراء لعزل المنظومة المصرفية الليبية سيؤدي إلى عجز كافة المصارف الليبية وزبائنها عن استيفاء التزاماتهم تجاه شركائهم. وفي سياق متصل، دعا حراك 17 شباط في مصراتة إلى اتخاذ الإجراءات القانونية لوقف المقتحمين ومعاقبة الجناة والمخالفين الضالعين في هذه الخروقات المرفوضة.
إن الأوضاع الراهنة تشير إلى أن ليبيا تقف على مفترق طرق خطير، حيث تتزايد الضغوط الداخلية والخارجية مع استمرار التوترات السياسية والأمنية. ومع تصاعد المخاوف من فقدان الثقة الدولية في النظام المالي الليبي، يبدو أن المستقبل المالي، والخطر الحقيقي الذي يواجه ليبيا الآن هو العزل المحتمل عن النظام المالي العالمي، وهو ما يعني فقدان الوصول إلى الأسواق المالية الدولية والتمويلات الضرورية. ومع استمرار الأزمات السياسية والأمنية، يصبح من الصعب تصور مستقبل مستقر للبلاد دون توافق وطني حقيقي وإصلاحات هيكلية في جميع مؤسسات الدولة، بما في ذلك القطاع المصرفي.
فهل تستطيع ليبيا تجاوز هذه الأزمة المالية والسياسية المعقدة؟ أم إن البلاد ستغرق أكثر في مستنقع الفوضى؟ الجواب يعتمد على الإرادة السياسية والقدرة على تقديم حلول جذرية وسريعة، بحسب المراقبين.