كارثة إسمنت طرطوس.. مرة وثانية وثالثة!!
طرطوس – وائل علي
يبدو أن أغنية فيروز الشهيرة “لا تندهي ما في حدا” تعبّر تماماً عن واقع حال أبناء قرى حصين البحر وعبة والسودا وباقي القرى المجاورة، فأصوات استغاثاتهم “المخنوقة” ورجاءاتهم الضائعة المطالبة بإنقاذهم من ذنب لم يرتكبوه، ولا علاقة لهم به، تذهب سدى، إذ غرقوا في مستنقع غيوم غبار مداخن معمل إسمنت طرطوس ودخلوا في دوامة لم يهتدوا بعد للخلاص منها!!
هذه المأساة، التي طُرحت مراراً وتكرراً، أصبحت قضية رأي عام وسيرة على كلّ لسان؛ وهنا لن نكرر مناداتنا ومناشداتنا بإيقاف معمل إسمنت طرطوس عن العمل، ونقله إلى الصحراء، بعد انتفاء جدواه الاقتصادية، وانتهاء عمره الزمني، وتآكله وتحوله إلى بؤرة ومصنع لأخطر وأصعب الأمراض الخطرة، عدا عن الخسائر التشغيلية الرهيبة التي لا يمكن القبول بها، أو السماح باستمرارها على هذا النحو..
لكن دعونا نستعير عنوان الفيلم السينمائي ذائع الصيت “أريد حلاً” لنقول لكم بلغة الجمع: “نريد حلاً”، بعد أن أغلقت كلّ السبل في وجه ما ينوف عن مئة ألف إنسان متضرر وتنصل السلطات المحلية – وما أكثرها – من مسؤولياتها أمام صلف وتجبّر السلطات المركزية وإصرارها على التطنيش وعدم الإكتراث بوجع الموجوعين؟!
المهندس سالم عيسى، أحد المدراء العامين السابقين الذين مروا على المعمل، وأحد أبناء القرى المتضررة مباشرة من غبار الإسمنت المتطاير “حصين البحر”، أفادنا ببعض الملاحظات حول الأضرار التشغيلية المنتظرة بهذه الطريقة قائلاً إن تشغيل المعمل على هذه الشاكلة دمار للبيئة والأهالي، ومن المفروض تشغيل المرسبات الكهربائية التي تمّ شراؤها منذ عشر سنوات، والمتوقفة بحجة أن أول أوكسيد الكربون يعيق تشغيلها، متسائلاً: ما ذنب أهالي المنطقة وأرزاقهم بنوعية المواد، وإذا عجزت وزارة الصناعة عن استملاك البلوك رقم ٣، فهل يجوز تشغيل المعمل بدون مرسبات كهربائية كونه أسهل الطرق وأقصرها ليكون ثمن ذلك صحة أهالي ثلاث قرى إلى جانب أرزاقهم أو تهجيرهم؟!
وطالب عيسى بتوقيف المعمل حتى يتمّ تأمين مواد صالحة لتشغيله بشكل سليم وصحيح، وإذا ما استمر التشغيل بهذه الطريقة سنقول إنه كانت هناك كروم زيتون وطبيعة خلابة، متابعاً أنه من خلال الزيارات التي قام بها إلى معامل ألمانيا الشرقية، حينها، (منطقة كارزدوف)، كان هناك معمل شبيه بمعمل إسمنت طرطوس مرسباته الكهربائية غير شغالة أصبحت المنطقة المجاورة له صحراء قاحلة ونأمل ألا نشاهد هذا المنظر عندنا.. كان ذلك عام ١٩٨٢، ونحن اليوم في عام ٢٠٢٤، فأي عالم نحن نعيش فيه؟ وما يحصل هنا لا يحصل في أي مكان على وجه المعمورة؟! وهنا لن نضيف أكثر على ما سبق قوله تاركين الكلام للصورة لعلّها تكون أكثر إنباء من الكتب!!