دراساتصحيفة البعث

دور الدبلوماسية الصينية البناء

عناية ناصر

حظيت الدبلوماسية النشطة للصين في السنوات الأخيرة، باهتمام واسع النطاق. وقد اعترفت العديد من الدول والأمم المتحدة بشكل إيجابي بالدور البناء الذي تلعبه الصين في التوسط في النزاعات الدولية وتعزيز السلام الإقليمي. وقد أظهرت الصين موقفاً استباقياً استثنائياً، يجسد اتجاهاً دبلوماسياً جديداً يُعرف باسم “لعب دور بناء”.

إن لعب دور بناء يرسل إشارة مهمة مفادها أن الصين تعمل بشكل شامل على تعزيز تجديدها الوطني، وبناء دولة قوية من خلال التحديث الصيني، وإلى أن الصين ستواصل الدفاع عن المبادئ الخمسة للتعايش السلمي، والعمل مع جميع البلدان لبناء مجتمع ذي مستقبل مشترك للبشرية، وتقديم مساهمات جديدة وأكبر في حماية السلام العالمي وتعزيز التنمية المشتركة.

لقد تكهن بعض المراقبين الدوليين بأن القيام بدور بناء يعني التخلي عن مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى الذي تبنته الصين منذ أمد بعيد، ولكن على العكس من ذلك، فإن القيام بدور بناء لا يشكل تغييراً جوهرياً في الاتجاه، بل يشكل تبايناً في وتيرة وكثافة المشاركة النشطة في حل الخلافات والنزاعات الدولية.

إن الاضطلاع بدور بناء يعني أيضاً، أنه في الوقت الذي تعمل فيه الصين بقوة على حماية مصالحها الخاصة، أن تحاول جعل موقف الصين الدبلوماسي وفلسفتها بالاعتراف موضع ترحيب من قِبَل المزيد من البلدان في إطار الممارسة الدولية المشتركة. ويكون ذلك على سبيل المثال، من خلال السعي  إلى تحقيق نفوذ دولي أكبر من خلال زيادة المساعدات الخارجية والأموال المخصصة للمنظمات الدولية بشكل معتدل.

وعلاوة على ذلك، ينبغي بذل المزيد من الجهود لتعزيز الاعتراف العالمي بمبادرة التنمية العالمية، ومبادرة الأمن العالمي، ومبادرة الحضارة العالمية، فضلاً عن سرد قصص الصين في جميع أنحاء العالم. ومن الأهمية بمكان أيضاً في الوقت نفسه، أن يدافع الدبلوماسيون عن التقاليد والثقافة الصينية، لبناء صورة دولية تتسم باللطف والإخلاص والإحسان تجاه الصين.

إن لعب دور بناء يعطي الأولوية للمفاوضات والتفاهم، ويهدف إلى حل النزاعات من خلال الحوار والتواصل إلى أقصى حد ممكن. وفي الوقت نفسه، يتم نشر القوة الناعمة العسكرية والتجارية والثقافية لخدمة الاحتياجات الدبلوماسية، والسعي إلى تجنب اندلاع الحرب. وعلى الرغم من القضايا التاريخية والمصالح الحالية التي تسبب الاحتكاك في المناطق المحيطة، لعبت سياسة ضبط النفس والدبلوماسية الماهرة التي تتبناها الصين دوراً حاسماً في منع الصراعات الكبرى في شرق آسيا على مدى العقود الأربعة الماضية. ونتيجة لذلك، تظل المنطقة كتلة اقتصادية مهمة على مستوى العالم.

إن دبلوماسية الصين في لعبها دور بناء تبحث عن إمكانيات جديدة في المواقف التي تبدو مستحيلة، وتسعى جاهدة لتحقيق أكبر قدر من القواسم المشتركة، ويتطلب هذا النهج دبلوماسية استباقية لتعزيز الثقة العامة في حل أو تخفيف التوترات الدولية من خلال الوسائل السلمية، مما يساهم في الاستقرار العالمي. ومن الواضح أن الإبداع يشكل أهمية مركزية للاضطلاع بدور بناء، كما يشكل الابتكار ضرورة لدفع العمليات الدبلوماسية الجديدة إلى الأمام، ومن المهم ملاحظة أن الدبلوماسية الصينية في لعب دور بناء لا تزال تواجه العديد من التحديات التي تتطلب جهوداً حثيثة لمعالجتها والتغلب عليها.

أولاً، في ظل تنافس استراتيجي متزايد بين القوى الكبرى، فإن كيفية الحفاظ على موقف الانفتاح والتقدم التعاوني يرتكز على العمل بشكل وثيق مع العالم النامي الأوسع، والمجتمع الدولي، مع الحفاظ في الوقت نفسه على الاتصالات مع الدول الغربية المتقدمة في المجالات التكنولوجية المتطورة، والذي يمثل تحدياً جديداً تماماً لم تواجهه الصين من قبل.

ثانياً، في مواجهة الاحتكاكات الحساسة مع المناطق المجاورة الناجمة عن قضايا تاريخية أو تضارب مصالح، تدخلت القوى الكبرى الخارجية من خلال القوة الصارمة، مما أدى إلى تراجع الإجماع القائم والجهود البناءة، وتتطلب هذه التحديات تفكيراً وأساليب مبتكرة للتغلب عليها.

ثالثاً، مع التقدم التكنولوجي وتطور جوانب مختلفة، تظهر حدود جديدة في الدبلوماسية، مثل دبلوماسية الحدود، ودبلوماسية الإنترنت، والدبلوماسية متعددة المسارات. ولم تحل هذه الأساليب محل الدبلوماسية التقليدية، بل أضافت جوانب أخرى ووسعت وظائف الأنظمة الدولية القائمة. ومن خلال تبني ودمج نقاط القوة لدى الآخرين، يمكن للدبلوماسية الصينية أن تظهر بشكل أفضل خصائصها الفريدة وتساهم في بناء مجتمع عالمي متنوع ومتناغم  ذي مستقبل مشترك.