المونودراما وأساليب الابتعاد عن التقليدية
ملده شويكاني
كيف يمكن تطوير المونودراما التي تعتمد على الممثل الواحد بالعرض المسرحي، وكيف يمكن ابتعادها عن التقليدية؟ أيكون ذلك بكتابة نصّ يمتلك شروط هذا العرض، أم برؤية المخرج الثاقبة وتحليله ما وراء الكلمات؟ أم بأداء الممثل وتوظيف كامل أدواته؟ أم بالتقنيات المساعدة واللعب عليها؟.. كل هذه الأسئلة يجيب عنها تحقيق “البعث” الذي توصل إلى رؤية شاملة للابتعاد عن التقليدية، تختلف من شخص إلى آخر.
تقول الممثلة فيلدا سمور التي قدّمت العديد من العروض وكانت بطلة مونودراما “ليلة وداع” تأليف جوان جان وإخراج سهير برهوم، إن أداء الممثل له دور كبير في شدّ الجمهور إلى العرض لتكون مسرحية المونودراما ناجحة وبعيدة عن التقليدية، لأن المونودراما شكل من أشكال الأداء المسرحي، وتعتمد على ممثل واحد، ويقوم النص على أداء ممثل واحد كاملاً مع الاحتفاظ بحق المخرج بضبط العرض بالكامل، والاهتمام بكل التفاصيل ابتداءً من أداء الممثل إلى السينوغرافيا والإضاءة والديكور والموسيقا وكلّ ما يتعلق بالفضاء المسرحي، ما يؤكد العلاقة القوية بين الأداء ومتابعة المخرج.
وتدخل فيلدا سمور بعمق التفاصيل من شكل المونودراما التي تأخذ صفة السرد من خلال أداء الممثل، السرد لحكاية موضوع معيّن، وقد يتخلل العرض حضور شخصيات أخرى فيجسّدها بطل المونودراما من خلال الحكاية السردية، فالممثل الواحد يأخذ أدوار كلّ الشخصيات التي ظهرت بفعل مسرحي خلال السرد، فقد تؤدي الممثلة بصوتها صوت الرجل أو تستعار الحالة الفنية والدرامية بالنسبة للشخصية البديلة التي تؤديها على المسرح.
وتؤكد سمور أن هذا الأمر صعب جداً مقارنة بالعمل الجماعي الذي يؤدي فيه كل ممثل دوره، لتصل إلى أن الجهد الذي يقوم به ممثل المونودراما مضاعف، ويجب أن يمتلك قدرة على الاهتمام بكل التفاصيل، لأنه إذا أفلت منه أي تفصيل يفلت منه العرض والجمهور، ولا يستطيع أي ممثل أن يقدّم عرض مونودراما، فلا بدّ من أن تكون لديه خبرة بالأداء المسرحي وله كاريزما وحضور مميز، ويتمتّع بإمكانات تفوق الممثل العادي حتى يمسك زمام الأمور قرابة الساعة، ويكون في بوتقة واحدة مع الجمهور.
ويتقاطع رأي الممثل غسان الدبس مع رأي سمور بأن أداء الممثل هو العنصر الأول بالتمكن من ابتعاد المونودراما عن التقليدية وشدّ الجمهور، لكنه يذهب إلى أبعد من ذلك، فيقول: “أكثر عناصر المونودراما أهمية هو الممثل، إذ يجب أن يكون على درجة عالية من الاحترافية ولا يصطدم مع مخرج متحكم برأيه، فالمحور الأساس في المونودراما هو عمل الممثل الفرد المنفرد الذي يوظّف أدواته ويعتمد على تقنيات المسرح بشكل عام، بالإضافة إلى عين خبيرة بامتياز هي عين المخرج، فأنا لا أؤمن بمونودراما من دون مخرج”، ليصل إلى أن المونودراما عمل ممثل لكن بعين مراقبة تماماً للمخرج، ويشير الدبس إلى أنه قدّمت تجارب عدة للمونودراما، لكنها كانت تفتقر إلى عين المخرج.
ومن زاوية أخرى يرى الدبس أن تقنيات المسرح الآن متطورة، ومن الممكن أن تضيف إلى أداء الممثل مثل اللعب بالإضاءة والديكور والأزياء وغيرها.
وننتقل إلى الكاتب والمخرج ورئيس جمعية المسرح في اتحاد الكتّاب العرب داود أبو شقرة، فيوضح: “المونودراما تحتاج إلى قدرات عالية إن كان بالكتابة أو بالإخراج أو بالتمثيل، وأعتقد بأن النص لأي فن من فنون المسرح يجب أن يتمتع ببناء درامي صحيح غير منقوص، تكتمل فيه شروط النص المسرحي، وهذا نصف الطريق إلى النجاح، ومن ثم الإخراج الذي يشكّل الرؤية البصرية التي يجب عليها قراءة النص وتفجير طاقاته كاملة، لا يعني أن أقدم قراءة حركية للكلام المكتوب وإنما أضيف إليها الكثير من الرؤى الشخصية من زوايا رؤيتي للحياة، وعلى المخرج أن ينتبه إلى الإيقاع، فأنا أشبّه المونودراما بعزف منفرد، وهذا لا يقدّمه عازف عادي، وإنما يكون عازفاً مخضرماً وعالماً بالمقامات وعارفاً بأساليب العزف يخرج من مقام إلى آخر، ليعود إلى درجة الاستقرار، ثم ينوع على المقامات المجاورة ويلعب بالريشة بطريقة مدهشة برش سريع ثم بالتقطيع ثم يطلق الحركة، وهذا يجب أن يتوافر في كتابة نص المونودراما من قبل كاتب مخضرم بالمسرح ينجو من المزالق التي نراها بالمونودرامات وتسمّى مونودراما اعتسافاً وهي ليست منها، فالأهمية بالدرجة الأولى إلى كتابة نص يتوافق مع سمات المونودراما، وإلا تكون شكلاً من أشكال العروض فقط”.
ويربط أبو شقرة بين النص والإخراج والتمثيل، ليتابع: “على الممثل امتلاك أدواته كلها، وتوظيفها كلها وفهم حقيقة التقمّص والاندماج والعرض ومحاكاة الجمهور والتفرد والارتجال، وهذا يحتاج إلى دربة واسعة إن كان في الصوت والحركة”.
أما ما يتعلق بالمؤثرات، فيرى داود أبو شقرة أنه لا يمكن وضع قواعد للمؤثرات ولا للموسيقا ولا للإضاءة لأنها خاضعة لرؤية المخرج، وتالياً حتى النص ذاته يختلف إخراجه من مخرج إلى آخر، فإذا لم يتمّ الاتفاق على محدّدات المونودراما ذاتها، فكيف نعمل على تحديد جزء منها، فمن الخطأ وضع قواعد وقوانين ومعايير لأنها بالتأكيد ستحدّ من الإبداع”.
ولا تقتصر المونودراما وآلية عرضها وتطويرها على العرض الدرامي، إنما المسرح الراقص يعتمد أيضاً في بعض عروضه على المونودراما، معتمداً على أساليب وطرق معينة للخروج عن التقليدية، مثل العروض التي يقدّمها المخرج نورس برو الذي يشير إلى أن المسرح الراقص بشكله المعاصر وليس بشكله التقليدي المعروف بالدول العربية والذي يعتمد على التراث والفلكلور المعاصر يعتمد على رقصات الجاز وغيرها من الفرجة المعاصرة التي تعدّ جزءاً من التكوين العالمي، فحينما ندخل فئوية المونودراما على المسرح الراقص نكون بإطار بالغ الصعوبة، لأن الراقص أو الراقصة يجب أن يؤدي شخصيات عدة في الوقت ذاته، فيكون الراقص والممثل والمؤدي الذي يدور بفلك الشخصية ذاته، مثل العرض الأخير الذي قدمته على مسرح الحمراء منولوج، وكان التركيز على الأداء الحركي المتعلق بالتوافق الحركي بين ملامح الوجه والجسد والروح والنصّ والكلمة المكتوبة ضمن قالب المونودراما، بتوجيه الضوء بنسبة 80% على شخصية المؤدي وترك 20% فقط لبقية العناصر ولمساحات السينوغرافيا والإضاءة والإخراج حتى النص ولو أن النص هو القاعدة الأساسية لكل عمل.
والجديد الذي قدّمته هو تقنية الانعكاس، انعكاس الشخصية على خشبة المسرح من خلال الدمية العملاقة، بمعنى أن يقوم المخرج ببناء شخصية تعتمد على الأنا الشخصية الأساسية من دون كسر شكل المونودراما التي تعتمد على الممثل الواحد، من خلال جماد، ليصل إلى دور الغرافيك والشاشة والتقنيات بكل تفاصيلها من خلال الاحتيال الإيجابي الذي اعتمده في تجربته وممكن أن يفيد في ابتعاد المونودراما عن التقليدية.
ومن المعروف أن المؤثرات الفنية والتقنيات تؤثر بنجاح أي عرض وليس فقط المونودراما، وخاصة الموسيقا التي تسافر مع المشاهد إلى عالم العرض ومجريات الأحداث، ومن رؤية المايسترو مهدي المهدي الموسيقي الأكاديمي والمؤلف وعازف الفيولا والكمان يعقب بأن الموسيقا التصويرية المرافقة لعمل مسرحي أو درامي تكون مؤلفة من عناصر عدة من المقدمة إلى الخاتمة، أما العنصر المهم فيدعى اللحن المسيطر أو اللحن الرئيسي الذي يصاحب الشخصية الرئيسية في العمل المسرحي أو شخصية ممثل المونودراما، ومن الممكن أن يعرض بأشكال مختلفة، بالإضافة إلى اللحن المضاد الذي يرافق الشخصية الأخرى، وأن ينسحب على الشخصيات الأخرى التي يؤديها ممثل المونودراما، ومن الممكن أيضاً أن يتمّ التأليف بناء على آلات عدة وليس بالضرورة على آلة واحدة لكن ستتمّ سيطرة اللحن الرئيسي، ومن الممكن أن يرافق الشخصية بسرعات مختلفة من سلالم ومقامات موسيقية مختلفة وبأساليب التنويع الموسيقي، لكن اللحن ذاته غالباً يتكرر مع الألحان الدخيلة التي تخصّ لحظات الصمت وتسمّى الألحان الهادئة، وتابع المهدي عن أهمية التنويع الموسيقي للحن الواحد بمثال السمفونية الخامسة لبيتهوفن المبنية على خلية موسيقية صغيرة جداً، بني منها حركة كاملة من سيمفونية، فمن خلية صغيرة يبنى عملاً موسيقياً، ومن هنا ينطلق إبداع الموسيقي بالتوازي حتى يحاكي فكرة المونودراما.