دراساتصحيفة البعث

أهداف التقارب الأمريكي- الصيني

ريا خوري

سعت الإدارة الأمريكية إلى التقارب مع الصين على الرغم من الإجراءات الحمائية المتصاعدة في الولايات المتحدة، وعدد من حلفائها الغربيين الذين يتعارضون مع مبادئ الاقتصاد الحرّ الذي تقوم عليه الاقتصادات الغربية، وهي لن تزيد جمهورية الصين الشعبية إلا قوّةً وتمسكاً بنظامها السياسي ومنهجها الذي رسمته طويلاً، ومعارضة القيم الليبرالية التي تدّعيها الدول الغربية، على الأقل في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، وهما محور مستقبل الشعوب والبلدان.

الجدير بالذكر أنّ الصين ستبقى على نهجها ولن تقفز إلى النظام الليبرالي الذي تريده الولايات المتحدة والدول الأوروبية الغربية، وتحديداً على المستوى الديمقراطي والتجاري والاقتصادي، فهذا لن يحصل في المدى المنظور، على الأقل في عهد الرئيس الحالي، شي جين بينغ.

الواضح في هذه المرحلة أنّ إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تسعى فيما تبقى لها من أيام، إلى إيجاد حالة من التقارب مع الصين، التي تخوض معها صراعاً اقتصادياً وتجارياً ومالياً وتكنولوجياً وجيوسياسياً، وعلى النفوذ العالمي وقيادة العالم، إضافة إلى تقديم الدعم العسكري والسياسي لأعداء الصين، وخاصة تايوان، حيث ترى الولايات المتحدة في الصين قطباً عالمياً قوياً له وزنه القوي، ولا بدّ من الوقوف بوجهه ومواجهته وتأخير تقدّمه أو إخماد جذوته، وإيقاف صعوده المستمر، كما أن العملاق الآسيوي (التنين الأصفر)، يُعتبر مادة دسمة ومهمّة في الدعاية الانتخابية للحزبين الجمهوري والديمقراطي.

يحثّ الحزبان الخطى ساعين لإيجاد ما يدعم برنامجيهما السياسي والاقتصادي، وعليه فإن إدارة بايدن أرادت أن تُظهر للناخب الأمريكي أن الديمقراطيين يسعون بكلّ قوة إلى إيجاد علاقات متوازنة مع القيادة الصينية، وهدفت من خلال ذلك لأمرين مهمّين، أولهما الردّ على الرئيس السابق دونالد ترامب من الحزب الجمهوري الذي يتهمها بالضعف والوهن، وعدم القدرة على التعامل مع الملف الصيني، وثانيهما البحث عن إنجاز ما يكون له أهمية كبيرة في هذا الشأن لتقدمه إلى جمهورها تدعم فيه موقف مرشحتها كامالا هاريس أمام منافسها ترامب، البارع في اقتناص الفرص واللعب على الحبال.

ولهذا الغرض، أوفدت المرشّحة هاريس مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جايك سوليفان إلى جمهورية الصين الشعبية، حيث تسعى من خلال هذه الزيارة لتحقيق عدّة أمور أهمها وأبرزها: إيجاد صيغ مشتركة مع القيادة الصينية، بحيث تحتوي أي سوء فهم وتبقي التنافس ضمن أُطر محدّدة تروّجه للناخب الأمريكي على أنه إنجاز كبير ومهمّ، وبهذا تخفّف من حدّة التوتر بين البلدين مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية في شهر تشرين الأوّل القادم، إذ إن التصعيد مع الصين في هذه المرحلة قد يجعل الأمور تنفلت من عقالها وضوابطها بتوترات سلبية لا تُحمَد عقباها، ما يرتد بشكلٍ سلبيّ وخطير على حملة المرشحة هاريس.

يبدو أن الديمقراطيين أرادوا عبر زيارة سوليفان التأكيد للأمريكيين أن علاقتهم مع الصين تنطلق من موقف ثابت وقويّ، فمستشار الأمن القومي أكّد أن الرئيس بايدن ملتزم بإدارة هذه العلاقة المهمّة جداً بشكلٍ مسؤول، مع المحافظة على ثوابت الولايات المتحدة فيما يتعلق بشبه جزيرة تايوان، وقضايا إستراتيجية عالمية أخرى، كما أراد بعيداً عن الانتخابات الرئاسية أن يغازل الصين بهدف إبعادها عن روسيا الاتحادية، بحيث يتمكن الغرب الأوروبي- الأمريكي من عزل روسيا الاتحادية وإبقائها وحيدة.

لكن يُحسب للصين وقيادتها اتباع نهجها وسياساتها الواضحة والمتزنة، وخاصةً في الأمور المتعلقة بسيادتها في بحر الصين الجنوبي وشبه جزيرة تايوان، أو علاقاتها مع الدول الأخرى، حيث ترفض ضربها أو مهاجمتها أو المساس بها، مع إبدائها مرونة في انفتاح اقتصادي أو تجاري أو مالي، والوصول إلى توافقات محدّدة تجعلها تتجنّب مواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما أكده الرئيس شي جين  بينغ بالقول: “إن هدف الصين هو التنمية المستدامة والمستقرة والسليمة للعلاقات الأمريكية- الصينية”.