دراساتصحيفة البعث

العدوان على لبنان.. “إسرائيل” تهرب إلى الأمام

سنان حسن

بدأ كيان الاحتلال الإسرائيلي، الاثنين، عدواناً وحشياً على لبنان، ما أسفر عن استشهاد أكثر من ٥٠٠ مدني وإصابة ما يزيد عن 1300 آخرين بينهم أطفال ونساء . وعلى الرغم من التبريرات التي ساقها كيان الاحتلال بأن هذا الهجوم جاء لإعادة من أسماهم “مستوطني الشمال” إلى منازلهم التي تركوها منذ بداية معركة طوفان الأقصى، إلا أن التساؤلات تتصاعد حول أهداف الاحتلال من هذا العدوان الإرهابي على لبنان. هل حقاً يمكن أن تعيد “إسرائيل” مستوطنيها بالقتل والتدمير الممنهج، أم أن هذه الجرائم هي هروب من متزعمي الاحتلال إلى الأمام لفشلهم في تحقيق أي هدف من أهداف الحرب على غزة، وبالتالي الدخول في حرب في لبنان من شأنها أن تطيل أمد الحرب وتمنع محاسبتهم؟

منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة، شكلت جبهة الإسناد اللبنانية عنصراً رئيساً في الحرب، حيث استطاعت المقاومة فرض توازن ردع على طول الجبهة، مكبدةً العدو خسائر كبيرة بالعتاد والأرواح، حيث أكدت المقاومة أن قتالها يأتي دعماً ونصرة لفلسطين والقدس، وأنها لن توقف عملياتها إلا بوقف العدوان على غزة.

وفي ظل هذه المعطيات، حاول العدو الصهيوني ثني المقاومة اللبنانية عن موقفها سواء عبر المبعوثين الدوليين الذين لم يتوقفوا عن تقديم العروض بهدف إغرائها وفصلها عن مسار الحرب، أو من خلال تنفيذ العديد من عمليات الاغتيال بحق قادة فلسطينيين ولبنانيين كبار في المقاومة، ولكن في كلتي الحالتين كان الجواب واضحاً أن إيقاف جبهة الإسناد اللبنانية مرتبط بوقف الحرب على غزة والضفة.

ومع إفلاسه في فرض شروطها على المقاومة، لجأ كيان الاحتلال إلى العدوان الواسع على لبنان علّه يحقق ما عجز عنه بالرسائل السابقة، ولكن بالتأكيد ليس الهدف هو عودة المستوطنين كما يزعم مجرموه وإرهابيوه، ولكن توسيع دائرة الحرب لتكون إقليمية تغطي فيها على فشلهم  الذريع في السابع من تشرين الأول ٢٠٢٣.

اللافت في هذه الأحداث هو موقف الولايات المتحدة الأمريكية، إذ تعلن في كل مرة عدم علمها بالعدوان أو الهجوم الإسرائيلي، لكن سرعان ما نسمع تصريحات معاكسة تماماً. بعد بدء العدوان على لبنان، نفى البنتاغون بدايةً معرفته بالعملية، لكنه عاد بعد فترة قصيرة ليعلن أن “إسرائيل” أخطرته بالهجوم، وأنه منحها الضوء الأخضر للتنفيذ- تصريح وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن الذي أكد فيه أن وزير الإرهاب الإسرائيلي يوآف غالانت أخطره بالعملية مثال- بل أن الوقاحة الأمريكية تذيّل في كل مرة بأنها مستعدة للدفاع عنها في حال تطورت الأمور، وتعلن عن إرسال أسلحة وعتاد إلي الكيان والمنطقة.  هذا التضارب في التصريحات يعكس حالة من النفاق السياسي الأمريكي، التي تؤكد مرة أخرى تورط واشنطن المباشر في العدوان على لبنان، تماماً كما كانت هي متورطة في الحرب على غزة.

ليس خافياً أن الولايات المتحدة الأمريكية تلعب دوراً رئيسياً في العدوان الإسرائيلي، سواء كان ضد لبنان أو غزة، كما وتُظهر التحركات الأمريكية أنها ليست فقط داعمة لـ “إسرائيل”، بل تقود هذه الحروب من وراء الكواليس، حيث تقدم واشنطن الدعم اللوجستي والعسكري والاستخباراتي، وتمنح الضوء الأخضر لكل تحرك عسكري إسرائيلي، في وقت تُفضّل فيه عدم الظهور بشكل مباشر في الصراع، لتجنب الانتقادات الدولية والاحتفاظ بهامش سياسي أكبر.

إن هذا الدور الأمريكي الخفي لا ينفصل عن إستراتيجية طويلة الأمد تتبناها واشنطن في الشرق الأوسط، إذ تعتمد على تحالفها مع “إسرائيل” لتنفيذ أجنداتها السياسية والعسكرية في المنطقة لتبقى “تل أبيب” واجهة الصراع، بينما تقف واشنطن في الخلف، تُحرّك وتُخطط، لتضمن استمرار الهيمنة الإسرائيلية وتحقيق مصالحها الخاصة.

ما يحدث من دعم أمريكي للإرهاب الصهيوني هو وصمة عار جديدة تضاف إلى تاريخ واشنطن المليء بالقتل والإرهاب. فالولايات المتحدة، التي تدّعي أنها حامية الديمقراطية وحقوق الإنسان، تدعم بشكل مباشر عمليات إبادة واستهداف للمدنيين، وتقف وراء كل اعتداء إسرائيلي في المنطقة. لكن ما يثير الغضب أن العالم بات يدرك هذه الحقائق، لكن الدعم الغربي للكيان لا يزال متواصلاً بلا هوادة.

وفي الوقت الذي تُحاول فيه “إسرائيل” استعادة “الردع” المفقود من خلال هجماتها المتكررة، فإن الحقيقة تشير إلى أن هذه الإستراتيجية لن تؤدي إلا إلى ضعفها وانكسارها، فغزة المحاصرة منذ عشرين عاماً عجزت “إسرائيل” عن كسر إرادة شعبها ومقاومتها، واليوم في عدوانها على لبنان لن تحصد إلا الهزيمة والانكسار، فحرب تموز ٢٠٠٦ شاهد راسخ في التاريخ على تقهقر الكيان واندحاره. واليوم المقاومون بعزيمتهم وبأسهم سيلقنون العدو درساً في البطولة والعزيمة.