محاولة الاغتيال الثانية مجرد بروباغندا إعلامية
ريا خوري
كان لعملية اغتيال المرشح الرئاسي دونالد ترامب العديد من الأسباب، فقد أعلن كبار المسؤولين عن حملته الانتخابية أن هناك قراراً عميقاً لدى جهات تخاصم ترامب تريد إبعاده من البيت الأبيض أياً كان الثمن. وبالتالي عندما لم تنجح محاولة الاغتيال الأولى حدثت عملية ثانية، وشخصية المنفذ غير مهمّة في هذا التحليل الأولي، والأهم هو التوقيت وهو الهدف أي إنقاذ مجموعة مصالح من عودة ترامب إلى البيت الأبيض.
هنالك تحليلات تتسرّب حول احتمال أن تكون وراء تلك المحاولات ليس فقط أفراد ومجموعات، بل أجهزة لها أجندتها الخاصة تخدم تجمع مصالح هائلة وكبيرة وقلقة في الآن ذاته من عودة ترامب إلى البيت الأبيض، إذ تواجه الولايات المتحدة الأمريكية، ليس فقط محاولات اغتيال، لكن صراعات ونزاعات حادّة لم تعرفها بهذا العمق في ماضيها السياسي.
إنّ الأنظار مشدودة أولاً على المرشح الجمهوري ترامب وعلى محاولات أخرى محتملة، وثانياً على الشارع الأميركي الذي بات قريباً جداً من أزمة شاملة غير مسبوقة بغضّ النظر عمن يقوم بها، لكنها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بنجاح أو عدم نجاح عملية إبعاده من البيت الأبيض.
لقد فصلت خمسة أيام فقط بين المناظرة الانتخابية التي جرت بين ترامب ومنافسته كامالا هاريس، وما يروّج له إعلامياً حتى الآن من محاولة اغتيال ثانية، الأمر الذي طرح كثيراً من التساؤلات في توظيف وضعه الانتخابي المتراجع جداً أمام تقدّم هاريس، وتحديداً عقب التفوق الذي حققته في مناظرتها مع ترامب.
من أهم تلك التساؤلات، هل يمكن أن ينجح ترامب في توظيف ما جرى وما يجري الترويج له إعلامياً على أنه محاولة اغتيال حقيقية لتصحيح وضعه الانتخابي المتراجع؟.
لقد شغل هذا السؤال عدداً كبيراً من الخبراء والمحلّلين السياسيين الذين تجاهلوا عن عمد مسبق الظروف المحيطة بهاتين المحاولتين، فمحاولة الاغتيال الأولى جاءت في أعقاب المناظرة الانتخابية التي جرت بين ترامب والرئيس جو بابدن قبل حوالي شهرين في أتلانتا بولاية جورجيا. تلك المناظرة كانت كارثية بالنسبة للرئيس بايدن، فقد تفوق ترامب بجدارة على منافسه، وهذا يدلّ دلالة كبيرة على أن ترامب كان، حين تعرض لمحاولة الاغتيال الأولى، في حالة تفوق واضحة، على العكس مما يمرّ به في محاولة الاغتيال الثانية التي جاءت عقب تفوق منافسته هاريس عليه بجدارة في مناظرتهما التي جرت قبل خمسة أيام فقط من محاولة اغتياله الثانية المزعومة، لدرجة أن ترامب، الذي كان يطالب بإجراء ثلاث مناظرات مع منافسته هاريس للإجهاز عليها انتخابياً اعتقاداً منه أنه يملك الأفكار القوية والأسلوب اللفظي المناسب، كما يملك ناصية الكلام والتعبير وسحق كلّ من يقف أمامه، اضطر إلى أن يعلن أنه “لا يفكر جدياً في إجراء مناظرة أخرى مع منافسته هاريس”.
كما أن محاولة الاغتيال الأولى جرت في أثناء إلقائه خطاباً في تجمع انتخابي بالقرب من بتلر، بنسلفانيا، حيث جرى قتل الفاعل توماس ماثيو كروكس على الفور، ومن ثم لم يفتح أي تحقيق لمعرفة ملابسات ومآلات الحادث، أما ما يخصّ محاولة الاغتيال الثانية، فإن الأمر شديد التناقض والاختلاف، فمن ناحية لم يتمّ الإعلان بعد بشكلٍ رسمي أنّ ما حدث كان محاولة اغتيال حقيقية مؤكدة، كما أن ترامب كان بعيداً عن موقع إطلاق النار، وثالثاً، أن ترامب لم يظهر أي بطولة أو قوة تخدمه انتخابياً، ورابعاً، وهو الأهم، أن تفاصيل التحقيق مع العميل الذي قام بالاغتيال الذي تمّ إلقاء القبض عليه لم تعلن بعد حتى هذه اللحظة، وربما، في حالة إعلانها، تؤدي إلى الإساءة بشدة إلى وضع ترامب الانتخابي.
الواضح حتى الآن أن حملة ترامب وزعماء الحزب الجمهوري يقاتلون لفرض ما بات يعرف بسيناريو المشابهة بين محاولة الاغتيال الأولى ومحاولة الاغتيال الثانية (المزعومة) وهي عملية بروباغندا بامتياز، فهم يؤكدون على أنها محاولة اغتيال مؤكدة، وهم يسعون بكل ما يملكون إلى توظيف الحدث لجمع المزيد من التأييد وجمع أموال التبرعات، ويجاهدون لإخراج ترامب مجدداً بطلاً من محاولة الاغتيال هذه التي شكّكت في جديتها العديد من المصادر الإعلامية.