ثقافةصحيفة البعث

د. السيد: مقترحات القمم والمؤتمرات لحماية اللغة بقيت حبراً على ورق

أمينة عباس

غنيّ عن البيان أن أي لغة إنما تحيا بالاستعمال وتموت بالإهمال، لذلك لا يمكن للمستمع لمحاضرة رئيس مجمع اللغة العربية الدكتور محمود السيد التي ألقاها، أمس الأربعاء، في مجمع اللغة العربية بدمشق تحت عنوان “الأمن اللغوي” إلا أن يتحسّر مع حسراته التي كان يطلقها وهو يتحدث عن واقع اللغة العربية في عصرنا الراهن، وقد ابتعد أهلها عنها باتجاه اللغات الأجنبية وما تفرضه وسائل التواصل الاجتماعي من لغة بعيدة كل البعد عن لغتنا العربية السليمة.

يقول د. السيد وهو رئيس لجنة تمكين اللغة العربية: “الأمن الثقافي العربي مطلب مهمّ للحفاظ على الكيان العربي والهوية، واللغة تُعدّ خط الدفاع الأول للأمن القومي العربي والأمن اللغوي وهو المقوّم الأساس لتحقيق الأمن الثقافي من خلال الحفاظ على التراث من جيل إلى جيل، لذلك فإن الأمن اللغوي جزء لا يتجزأ من الأمن القومي، ولا يقلّ أهمية عن الأمن الغذائي والمائي والبيئي لأنه يحافظ على هويتنا، فاللغة والهوية وجهان لعملة واحدة.. من هنا يجب أن نكون بارّين بلغتنا من خلال صونها وهي التي تحمل ثقافتنا العربية منذ القديم وحتى الآن”.
وانطلاقاً من أن الأمن اللغوي هو أن تحفظ الأمة لغتها الخاصة، فلا تستبدل بها غيرها، وأن تذود عن مكوناتها وطرائقها في التعبير وأن تحرص على سلامتها، وتعميم استعمالها صدرت الكثير من القوانين في الوطن العربي حماية للّغة العربية، وعديدة هي مشاريع النهوض بها والتي تمّ الإعلان عنها في العديد من القمم المؤتمرات، ومع هذا يقول د. السيد: “نصّت دساتير الدول العربية على اعتماد اللغة العربية، ووضعتْ قوانين لحمايتها، وسورية كانت سبّاقة في كلّ هذا لحماية اللغة والحفاظ عليها، وقد أصدرتْ القمم والمؤتمرات العديد من التوصيات والمقترحات لتنفيذها على أرض الواقع، لكن معظمها بقي حبراً على ورق، فما نقوله شيء، وما نفعله شيء آخر”.

ويذكّر د. محمود السيد بتلك الجهود الكبيرة التي قام بها رجالات التعريب الأوائل في سورية بعد حملة التتريك ومن ثم الاستعمار الفرنسي قائلاً: “أثمرت هذه الجهود وضع المصطلحات العربية بدلاً من الكلمات التركية التي كانت معتمدة في دوائر الدولة، وكانت حملة موفقة انتهت إلى اعتماد اللغة العربية في التدريس، وفي فترات لاحقة أصدر الرئيس الراحل حافظ الأسد مرسوماً لتعليم اللغة العربية لغير المتخصصين في الجامعات، ثم قام الرئيس بشار الأسد بإصدار مرسوم بتشكيل لجنة لتمكين اللغة العربية قامت بواجبها اتجاه اللغة العربية، حيث حاولتْ على مدار سنوات عدّة إصدار العديد من التعاميم للتقيّد بها”.
ولا يتردّد د. السيد في القول: “نحن اليوم بأمسّ الحاجة إلى الأمن اللغوي، حيث تواجه اللغة العربية تحديات كثيرة على الصعيد العربي في ظلّ الاعتداء على سلامتها في العملية التعليمية والعلمية، ففي دول الخليج العربي وبعض دول المغرب العربي أُبعدت اللغة العربية عن المدارس والجامعات والعمل ووسائل الإعلام وتنشئة الأجيال الجديدة على لغات أجنبية، في حين ما زالت تصدر في الوطن العربي العديد من الكتب في القصة والشعر والرواية باللهجات العامية على الرغم من كل القرارات والتوصيات التي تصدر عن مجامع اللغة العربية والمؤتمرات باعتماد اللغة العربية الفصيحة في كتابتها، أما في الإعلام والإعلان فحدّث ولا حرج، فما يُكتب فيهما باللغة العربية مليء بالأخطاء، وواجهات المحلّات ما زالت لا تستعين إلا بكلمات أجنبية، لتكون المصيبة الأكبر في وسائل التواصل الاجتماعي التي تعتمد الهجين اللغوي، حيث يتمّ فيها اعتماد حروف لاتينية أو أرقام بدلاً من الحروف العربية، بالإضافة إلى اعتماد بعض الاختصارات التي لا تمتّ للّغة العربيّة بصلة، وهي هجين لغوي وصل لكتابات الأطفال في موضوعات التعبير”.
ويؤكد د. السيد في نهاية محاضرته التي أرجأ الحديث فيها عن إجراءات حماية الأمن اللغوي لمحاضرة أخرى: “لسنا ضدّ اللغات الأجنبية ولكن يجب أن تكون الأولوية للغتنا، فمصيبتنا عدم انتمائنا لها وعدم وعينا بأهميتها والإيمان بالعروبة الحقة المتمسكة بهذا الرابط في الوقت الذي يعمل به أعداؤنا على إحياء لغتهم”، مردداً قول الشاعر نزار قباني عن اللغة العربية وتاريخها وقدسيتها وعظمتها: “إني أحبك كي أبقى على صلة بالله بالأرض بالتاريخ بالزمن”، كذلك قول د. عبد الكريم اليافي: ‏”لم يبقَ شيءٌ بأيدينا سوى لغة نصونها بسواد القلبِ والهُدب، وما على من بيدهم القرار إلا أن يكونوا نموذجاً حياً وقدوةً ومثالاً في استعمال لغتهم العربية، وأن يكونوا حريصين على حمايتها وسيرورتها وانتشارها”.