في قلب العملية الانتقالية
بسام هاشم
يمكن القول إن خطاب تغيير المنظومة قد أنجز في خطوطه العريضة، بل وفي الكثير من تفاصيله.. لقد تحدث الرئيس الأسد، ومنذ 18 كانون الأول الماضي، عن إعادة تموضع “البعث” ودوره في وضع الرؤى والاستراتيجيات خلال المرحلة القادمة، وأكد في 25 آب، مع افتتاح الدور التشريعي الرابع، على دور مجلس الشعب في قيادة الحوار الوطني ووضع السياسات وممارسة الرقابة بعيداً عن الأحكام الجاهزة، وأخيراً كان اللقاء، قبل أربعة أيام، مع حكومة الجلالي، فرصة لتفكيك المعضلات التي يتعين تجاوزها على صعيد تنفيذ السياسات وآليات اتخاذ القرار وإنهاء التشوهات الحاصلة لدى تناول الكثير من المفاهيم الحاكمة، والأهم وضع الخطط التنفيذية والقطاعية وإدارة الموارد في بلد (سورية) علينا أن نعترف بمحدودية موارده.
عبر خمسة كلمات توجيهية – ثلاثة أمام اللجنة المركزية، واثتتان أمام كل من مجلس الشعب والحكومة – يسعنا القول إن خطة إصلاح المنظومة قد استُكملت في كل من الحزب والدولة، وأن ما تبقى هو الضلع الثالث في مثلث تغيير العلاقات “في” و”بين” كل من “الحزب” و”الدولة” و”المجتمع”، والذي كان أشار إليه الرئيس الأسد، رغم ذلك، في محطات مختلفة في معرض حديثه عن المسؤولية والمشاركة الفردية والمجتمعية، وعن الوعي الانتخابي، وأخيراً، وبشكل عابر، عن مفهوم إدارة الموارد الذي لا بد وأن يتسع اليوم ليشمل، في المقدمة، الاعتماد على الذات، وتغيير أنماطنا الاستهلاكية، ووعينا للزمن وكثافته.. الزمن الذي بات باهظ التكلفة، وبات يهدّد بـ “التآكل الكلي”، وبـالفراغ وبالعدم حين “لن يكون هناك شيء يمكن البناء عليه”.
والحال.. فقد وجدت سورية أخيراً طريقها الخاص إلى الإصلاح: لا لوصفات صندوق النقد الدولي، ولا لانتظار المساعدات – ولا حتى الاستثمارات – الخارجية، ولا لاقتصاد ريعي يقتات على فانتازيا سلام إقليمي موهوم؛ ذلك أن سورية إصلاحات ما بعد الحرب والخسارات الشاملة هي – بعمق المعنى – ابنة الواقعية السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. الواقعية التي تعني أن السير بالاتجاه الصحيح يتطلب الاندماج في العالم، لا أن نكون على الأطراف أو على الهامش، فالاندماج لا يعني فقدان الخصوصية، بل على العكس قد يعني العمل على إشهارها بأوسع مدى ممكن، فليس قدراً أن نكون “من بين دول تكاد قد تكون أقل من أصابع اليد الواحدة”، فسورية تاريخياً هي ابنة السلالة الخالدة للتلاقح والاستيعاب والإدماج والتوسع الجغرافي والثقافي والاستمرارية الحضارية.. هي ابنة الثقة بالنفس والاعتماد على الذات والإرادة المستقلة.. لقد كانت عبر تاريخها الطويل “بروسيا الشرق”، وتجسيداً حياً للعظمة الوطنية والقومية وإعادة النهوض والإشعاع والبطولة، ومصيرها أن تبقى كذلك.
ورغم صفة الشباب التي تلازمه – وستبقى كذلك – يسلك الرئيس الأسد على أنه، وقبل كل شيء، “أب” لمشروع إصلاح الجمهورية، بمؤسساتها المتباينة والمختلفة، والتي قد تجد نفسها أحياناً – أو يفترض أن تجد نفسها بعد الآن – في موقف التعارض.
ومن تابع كلمات سيادته في اجتماعاته مع الحزب والسلطتين التشريعية والتنفيذيىة، بهيئاتها وقياداتها الجديدة، يدرك تماماً كيف تتناسل الأفكار وتتشابك الطروحات لتبني خطاباً تغييرياً على غاية من التماسك والانسجام والترابط، رغم تباين هوية المتلقين، ولربما تنافيستهم من حيث المهام والأدوار.
يتصرف الرئيس الأسد كسوري أصيل مفعم بروح التغيير، وكرجل وطني يدرك معنى المسؤولية، ومستعد لتحمل أعبائها في اللحظات الصعبة.. تماماً كما كان الحال خلال سنوات الحرب، وتماماً كما كان الحال خلال عملية غزو العراق 2004، وحرب 2006 على لبنان، وفي كل المنعطفات التي تعصف بالمنطقة والعالم كل يوم.
كقائد إصلاحي، لا يمكن للرئيس الأسد إلا أن يكون ثورياً حتى في واقعيته؛ إنه يتفهم حالة التباطؤ الحاصلة لأسباب أهمها الجهل بطبيعة “الورشة الوطنية” التي ينبغي أن تقلع بالجميع، دون استثناء، ولكن مصلحة الوطن والشعب لن تعير اهتماماً لثرثرة البعض، ولن تنتظر هرطقة آخرين، ولن تنتظر المزيد من المماحكات اللفظية واللغوية، ولن تهتم لنقاش بيزنطي يتلهى بالشكليات، فيما يكتوي الوطن بترقيعات الحلول، فالتغيير ليس مغامرة، وليس قفزة في الفراغ.. إنه رؤية واضحة الضامن لها هو الرئيس الأسد.. ونقطة على السطر!!
لقد دقت ساعة الحقيقة والمصارحة، والكرة اليوم في ملعب المؤسسات الوطنية الأم، ولم يكن ممكناً السماح بأن يتحول التباطؤ إلى نوع من الفوات التاريخي.. ونحن على كل حال في قلب العملية الانتقالية!!