دراساتصحيفة البعث

سيد المقاومة شهيداً

هيفاء علي

في لحظة فاصلة من تاريخ الصراع مع العدو الإسرائيلي، انضم الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله إلى قافلة الشهداء، في عملية اغتيال غادرة نفذها الاحتلال الإسرائيلي. وبارتقاء السيّد إلى مرتبة الشهادة، يخسر لبنان قائداً استثنائياً ورمزاً للمقاومة خلّف بصماته في مسيرة الدفاع عن الأرض والوطن.

نعم لقد بلغت درجة إرهاب الكيان الإسرائيلي المحتل الذروة بإقدامها على ارتكاب هذه الجريمة النكراء لتضاف إلى سلسلة الجرائم الأخرى التي يرتكبها بحق الشعب الفلسطيني واللبناني على مدى عقود طويلة على مرأى ومسمع العالم “الغربي المتحضر”، وعلى مرأى ومسمع المجتمع الدولي الذي لم يحرك ساكناً يوماً من الأيام.

الأسوأ من جرائم الكيان المحتل، هو ما يسمى بالعالم “المتحضر” الذي يتابعها ويعلق عليها وكأنها مجرد لعبة فيديو، ويترك المجرم دون عقاب وذلك لعدة عقود.  يوماً بعد يوم، ساعة بعد ساعة، وكأن هذه المجازر اليومية عبارة عن مسلسل تلفزيوني لا نهاية له، تتخلله رسائل إعلانية.

اليوم، ومع الأخذ في الاعتبار نتائج اثني عشر شهراً من الفظائع والجرائم التي تتجاوز الخيال، يمكن القول إن الدولة الصهيونية بصدد تعويد العالم على شيء أكثر خطورة: الانحراف والسادية الجماعية والعمى، وعنف لا حدود له ضد المدنيين، والذي تم التسامح معه والاعتراف به وحتى قبوله مؤخراً كسلوك “طبيعي” من قبل من هم في القمة.

مما يعني أنه ليس فقط أولئك الذين يرتكبون هذه الجرائم الشنيعة يتم معاملتهم بشكل وحشي، ولكن أيضاً كل أولئك الذين يتسامحون معهم ويشجعونهم، ويتظاهرون بعدم رؤيتهم، وما يسمى بـ “المجتمع الدولي” يتعامل مع جرائم الكيان المتسلسلة بصمت مطبق ومريب.  وسائل إعلامه وسلطاته تفضل عدم قول أي شيء، فيما يخص معاناة الشعب الفلسطيني، فهي تتعمد الحديث عن كل شيء إلا المجازر اليومية في فلسطين، وتتجاوز بصمت استشهاد العشرات والمئات والمزيد للفلسطينيين من غزة والأراضي المحتلة، لأنه من الواضح أن هناك أمواتاً يزنون أقل بكثير من غيرهم أو لا يزنون شيئاً.

والأمين العام لحـزب الله السـيد حسـن نصـر الله هو الشخصية البارزة التي لعبت دوراً هاماً في الحياة السياسية والعمل المقـاوم ضد العـدو الصهـيوني، وفي دعم القضية الفلسطينية، سواء في تحــرير لبنان من الاحـتلال الصهــيوني أو في حـرب تموز أو في معركة الإسناد انتصاراً لغـزة وفلسـطين ومقـاومـيها، ودماء الشهـداء المقـاومين لن تذهب هدراً، فلسوف ترتد على الفاشـيين الصـهاينة تحريراً للبنان وفلسـطين وإسقاطاً لأنظمة التطبيع وحماتهم الولايات المتحدة الأميركية القائدة.

لقد كان الشهيد نصر الله واحداً من القادة الذين تسكنهم الحالة الدينية بكل تفاصيلها، لذلك يكرر بصورة تلقائية الحديث عن دور الله في كل ما يحصل، سواء كان انجازات أو ابتلاءات. وما ميّز مثل هذا القائد، الآتي من مدارس العلوم الدينية، أنه لم يكن يسمح للحظة بتعطيل العقل عن العمل. كان واحداً من قلة تعرف إنتاج توازن رهيب بين العقل والغيب، ويجيد رسم الطريق الذي يؤمن بأنه الأصلح والأكثر مطابقة لأصول الفهم التاريخي والمادي لما يجري في العالم. ولذلك، كان يصرّ على توفير عناصر القوة التي يحتاجها كل من يقاتل الظالمين في هذه الدنيا. ولأنه على هذا القدر من الفهم العلمي، كان قاسياً في ضبط أعصابه وأعصاب من حوله، مانعاً أن يسيطر الانفعال على أي قرار فيه نتائج تلامس حياة البشر.

أحداث كثيرة مرت في حياة سيد الشهداء، تُكتب فصول عنها، وعن دوره وحضوره وتأثيره، ويجب أن يخرج من يحكي عن أدواره التي بقيت طي الكتمان في مساعدة دول وشعوب وحكومات وقوى مناضلة في وجه الاحتلال والهيمنة، وعما هو أكثر، في تقديم العون، ليس في لبنان فقط، بل في بلاد بعيدة، من أجل تحسين حياة البسطاء والفقراء. لكن للسيد حسن قصته الخاصة مع فلسطين، التي ساندها ودافع عنها حتى الرمق الأخير.

ثمة تحديات غير مسبوقة تواجهها المقاومة الآن، بعضها تنظيمي يخص جسمها المدني، وبعضها عملاني يخص جسمها العسكري، وبعضها استراتيجي يخص صورة هذه الحركة التي تمثل درة تاج حركات المقاومة منذ قيام كيان الاحتلال.

من رافق السيد حسن ووافقه ووثق به وبخياراته، يجب أن يعلم أن المعركة التي بدأها العدو لن تتوقف بسهولة، ولن يرتدع العدو عن ارتكاب مزيد من المجازر إلا بالمقاومة الفاعلة، وما على الناس إلا الصبر، وعدم الالتفات إلى جسم يمكن أن نراه كبيراً، محشو بالانتهازيين الذين لا يعرفون إلا الخذلان، وفيه أرانب كانت تستأسد باسم المقاومة، وفيه مصدومون يريدون الثأر… والى جانب كل هؤلاء، يوجد رفاق للسيد الكبير، في لبنان والمنطقة والعالم، من الذين لا يملكون أن يرفعوا الآن سوى شعار واحد: مستمرون!