من احتلال بغداد إلى استشهاد السيد.. مآلات المقاومة والمشروع الصهيوني الأمريكي
د. حسن الأحمد
يستعيد قسم غير قليل من الشارع العربي هذه الأيام أجواء احتلال بغداد عام 2003، وما تبعه، ولا يُخفي هؤلاء مخاوفهم من تكرار السيناريو نفسه، وإن اختلفت الطريقة والأدوات، ولاسيما بعد استشهاد الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، وما سبقه ورافقه من اغتيالات لعدد من قيادات الحزب، وما تبعه من حملة واسعة من القصف العنيف في سياق “الصدمة والترويع”، كما فعلت القوات الأمريكية تماماً قبيل احتلال العراق، وصولاً إلى الهدف الاستراتيجي الأساسي وهو تدميره، قوةً إقليمية وعربية، مترافقاً ذلك كله مع حملة إعلامية منسّقة ومتنامية ترسم مستقبلاً وردياً من الديمقراطية والاستقرار والازدهار.
ولا يخفى أن مثل هذه الاستعادة لها ما يسوغها، في المستوى الشعبي على الأقل، بالرغم من اختلاف الزمان والمكان والحدث، فاغتيال السيد نصر الله وعدد من قادة الصف الأول في الحزب، وقصف الضاحية الجنوبية ومناطق وقرى الحاضنة الشعبية على امتداد الجغرافيا اللبنانية، وتوظيف الأدوات الإعلامية لتعزيز فكرة اختراق الحزب من الداخل، والترويج لتهاوي محور المقاومة، والتفوق الاستخباري لجيش الاحتلال وقدراته التكنولوجية الفائقة، أشاع، ولو بشكل عابر، حالة من الإحباط، مترافقاً ذلك كله مع تصريحات عالية السقف لكبار قادة العدو آخرها كان لرئيس حكومة الكيان الذي صرح بأن الأمر لا يتعلق بحماس وحزب الله فحسب بل “بتغيير الواقع الاستراتيجي في الشرق الأوسط”، وبأنه “لا يوجد مكان في إيران أو الشرق الأوسط لن تصل إليه ذراع إسرائيل الطويلة”.
بالأمس جاء الرد الإيراني ليبدد شيئاً من هذه المخاوف، واليوم وغداً يثبت حزب الله أن خيار المقاومة أكثر رسوخاً مما كان عليه، وبالرغم من زيادة وتيرة الاستهدافات الجوية والتحشيد العسكري على حدود لبنان الجنوبية، فإن صواريخ المقاومة تضاعفت، والهيكلية التنظيمية في الحزب وقدراته العسكرية لم تتأثرا سلباً، مثلما هو الشأن عند المقاومة الفلسطينية في غزة.
لا ينكر متابعٌ أن المشروع الصهيوني الأمريكي في المنطقة قائم، وأنه في هذه المرحلة قد يكون في أفضل ظروف نشاطه، في ظل انشغال القوتين العظميين الداعمتين أممياً: روسيا في حربها في أوكرانيا، والصين بهموم السيادة الاقتصادية من جهة، وتوافر مظلة غربية مؤيدة أو صامتة تجاه ما يجري في لبنان وفلسطين، واستغراق أمريكي معلن وفاضح في المشروع عسكرياً ومادياً وتكنولوجياً من جهة أخرى، إضافة إلى وجود شبه إجماع شعبي وحزبي في “دولة” الكيان على عمليات جيش الاحتلال الحالية وحتى على مشروعه التوسعي في المنطقة، وإن اختلفت الآراء حول الطريقة التي تُدار بها الأمور.
ولاشك، كذلك، في أن مسار المقاومة لن يقف أو يتوقف، وإن كان هناك تضحيات وأثمان ستدفعها شعوب المنطقة، اليوم أو غداً، سواء كانت ممن يؤمن بهذا الخيار، أو ممن يقف على النقيض منه، ولا أدلّ على ذلك من المقاومة العراقية اليوم، فقبل عقدين من الزمن أُريد للعراقيين أن يكونوا تحت عباءة الهيمنة الأمريكية أو الصهيونية لا فرق، وها هي اليوم شريك أساسي في محور المقاومة وجبهة الإسناد، وقبل عقدين من الزمن أيضاً أعلنت وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك ، كوندوليزا رايس، في أثناء حرب تموز 2006 أن آلام هذه الحرب هي “الولادة القاسية للشرق الأوسط الجديد”، ويبقى أن المختلف اليوم أن المقاومة، على امتداد الإقليم الجغرافي كله، ضد هذا المشروع “الوجودي” في نظر أصحابه، قد أصبحت مقاومة عابرة للطائفية والقومية، وقد وفرت لنفسها ديناميكيات مستجدة قائمة على الترابط والتشابك وعدم فصل المسارات، الأمر الذي يسمح لنا بمقاربة أكثر واقعية وإيجابية وتفاؤلاً، وأقل يأساً وتشاؤماً.
رئيس مركز الدراسات في القيادة المركزية