الموسيقا في حمص.. من الهواية إلى الاحتراف الأكاديمي
حمص- سمر محفوض
لكلّ شعب لغة موسيقية ذات خصائص مميزة تغذي القيم الجمالية المرتبطة بعلم الموسيقا وما يتضمنه من إيقاعات ومقامات، تناشد القلب والسمع والمشاعر وفقاً لمتلقيها، ومدى ميله نحو نوعها، وحتى ثقافياً يسهم الإنتاج الموسيقي في تلبية متطلبات الوجدان الجمعي، وذلك وفق ما يؤكد أمين رومية، نقيب الفنانين بحمص، ويقول إن مدينة حمص لم تكن بمنأى عن تداعيات النّهضة الموسيقيّة والغنائيّة الّتي بدأت في مصر بداية القرن العشرين مع دخول الأسطوانة إليها، وكان لها كبير الأثر في انتقال الأعمال الغنائيّة والموسيقيّة لكبار المطربين لكونه يمثّل امتداداً لما أبدعه المغنّون والموسيقيّون العرب على مدى عقودٍ من الزمن، كما كان للموسيقيين العازفين دورهم في هذا المضمار من خلال زياراتهم إلى مصر، أمّا في ستيّنيّات القرن الماضي فبدأ أهل المدينة باقتناء أجهزة تسجيلٍ حديثة ساهمت بحفظ أصوات عددٍ لا بأس به لأولئك الذين شكّلوا امتداداً لجيل الرّواد، وتوازياً مع ذلك شهدت المدينة نهضةً فنيّةً واضحة ساهمت فيها الأندية الفنيّة العريقة التي كانت رائجة، بالإضافة إلى ولادة عددٍ لا بأس به من الفرق الموسيقيّة- الغنائيّة، كـ”فرقة حمص لإحياء التّراث” التي أسّسها وقادها الفنان عيسى فياض، و”فرقة الإنشاد الغسّانية” التي أسّسها وقادها الفنان مرشد عنيني، بالإضافة إلى “فرقة نقابة المعلّمين” التي أسّسها وقادها الفنان محيي الدّين الهاشميّ، وكانت جميعها تتبنّى الغناء الجماعيّ على غرار “فرقة الموسيقا العربيّة” التي أسّسها عبد الحليم نويرة في الستينيات بمصر، وتحوّلت حمص إلى حافظة لنتاج الفنّانين المصرييّن، عدا البعض ممّن آثروا الابتكار والتّجديد والتحرّر من التّقليد والتّكرار، كأمير البزق محمّد عبد الكريم الّذي أبدع أعمالاً آليّة تضمّنت مجموعة من السّماعيّات والرّقصات والمقطوعات التي تندرج تحت اسم الفنتازيا والعمل الموسيقيّ العظيم “المعركة الموسيقيّة”.
أما ما يتعلّق بالموسيقا البحتة على صعيد التّأليف، غير المرتبطة بالكلمة، فيرى رومية أنه يكاد وجودها أن يكون شبه معدوم، باستثناء قوالب التأليف التي يعود معظمها إلى مؤلفين أتراك مثل “السّماعيات واللّونغات والبشارف”، باستثناء بعض المحاولات لعدد من الملحّنين التي لا ترقى إلى المستوى المأمول، وذلك بسبب عدم وجود موسيقيّين محترفين متفرّغين للإبداع الموسيقيّ، بالإضافة إلى طبيعة موسيقانا الغنائيّة الّتي ارتبطت بالشّعر منذ القدم، مؤكداً أنّ جميع الفرق الموسيقيّة في حمص كانت تقدّم ضمن برامجها أعمالاً آليّةً.
وعلى صعيد التجارب الفريدة، ووفقاً لنقيب الفنانين فإن عازف الكمان الفنّان مروان غريبة قدّم تجربةً غير مسبوقةٍ في المدينة، وهي إعداد برنامجٍ فنيّ آليّ من أعمال الموسيقار محمّد عبد الوهاب، قدّمه على مسرح قصر الثّقافة بإتقانٍ باهر على مدى ساعةٍ كاملة نالت إعجاب جمهور حمص الذّواق من دون وجود مطربين، فكانت تجربةً رائدة، لكنّها للأسف لم تتكرّر.
تمام العواني، مدير “نادي دوحة الميماس للموسيقا والتمثيل” الذي تأسّس منذ حوالي تسعة عقود على أيدي علماء في علم الموسيقا، ولديه فرقتان مسرحية، وأخرى موسيقية كانت تُعنى بالموشح والدور والطقطوقة والقصيدة، وقدّمت عروضاً في كل المحافظات السورية، بالإضافة إلى المشاركات الخارجية.
وعلى صعيد الإبداع، كان في حمص مبدعون موسيقيون ورواد وصلوا بموهبتهم إلى العزف وراء كبار المطربين، حيث ذكر عضو نقابة الفنانين الصحفي محمد خير كيلاني، منهم فهد جنيات عازف الكمان الذي عزف وراء المطربة سعاد محمد ووصل صيته إلى لبنان، وسليم نوح ومروان الدروبي ورياض الشبعان الذين عزفوا في فرقة الإذاعة والتلفزيون، ومروان غريبة الذي عزف مع صباح فخري ووديع الصافي وفي أندية حمص الفنية بإشراف حسني الرفاعي وعبد المعين مرزوق، و”دوحة الميماس” و”دار الفنون” بإشراف زيد حسن آغا، و”الرابطة الثقافية” بإشراف فايق السقا، والفرق الموسيقية كـ”فرقة إنشاد الغسانية” بإشراف مرشد عنيني، و”فرقة حمص” بإشراف عيسى فياض، وفرق أخرى منها ما استمر، ومنها من لم يستمر كـ”فرقة التخت الشرقي” بإشراف رياض الفاخوري، وبالطبع في هذه الفرق عازفون أصحاب مواهب وكانوا يعزفون في هذه الأندية والفرق، وظهر جيل آخر من العازفين ورث عمن سبقهم حبّ العزف والموسيقا فشكلوا فرقاً موسيقية أخرى.
ثم تشكّلت فرقة الأوركسترا عام ٢٠١٩ بخبرات محلية وتضمّ ٨٠ عضواً، ٤٠ عازفاً على مختلف الآلات و٤٠ عضواً في الكورال، وقد أسّسها حسان لباد مدير ثقافة ومدير المسرح القومي بحمص، حيث يؤلف ويوزع الموسيقا للفرقة التي شكلت نقلة نوعية على مستوى الموسيقا في المدينة وحصدت تفاعل الجمهور، وقدّمت أول عروضها “كارمينا بورانا” في مهرجان السياحة الثقافية عام ٢٠١٩ لتفتتح على مدار السنوات اللاحقة “مهرجان القلعة والوادي”، بالإضافة إلى مشاركة فعّالة في جميع المهرجات بالمحافظة، وتقديم أعمال لمؤلفين مصريين وعالميين، وقدّمت أعمالاً للأطفال وهي حالياً بصدد البروفات النهائية لتقديم عمل موسيقي مسرحي ضمن احتفالية ذكرى تأسيس وزارة الثقافة، وأن أكثر ما يميّز الأوركسترا الوطنية بحمص -حسب لباد- هو تأليف نوتة واحدة لجميع الفرق، بينما وزّعت الأصوات لأربعة في الأوركسترا، وكان من نصيب كل آلة نوتة خاصة بها، أما في عام ٢٠٢٣ فأطلقت مديرية الأنشطة الفنية والرياضية المركزية في وزارة التربية ودائرة المسرح المدرسي في مديرية تربية حمص الأوركسترا المركزية التابعة للمديرية بقيادة المايسترو عمار يونس، و64 مشاركاً بين عازفين وكورال وعدداً من الأطفال ويافعين وشباب بأعمار متفاوتة يعزفون على مختلف الآلات الموسيقية ومعظمهم من مدارس حمص.
لكن قبل افتتاح كلية التربية الموسيقية، وهي كلية نوعية تطبيقية على مستوى سورية، كانت النشاطات الموسيقية محصورة بفرق محدّدة معروفة من هواة الموسيقا ومن النوادي الثقافية، بالإضافة إلى فرق المنظمات الشعبية والموسيقا الشعبية، وفق ما أكده نسيم رمضان، أستاذ في كلية التربية الموسيقية، وحامل ماجستير في العلوم الموسيقية جامعة تور الفرنسية، مبيناً أن الأمر اختلف بعد عام 2003 “عام افتتاح كلية التربية الموسيقية” حصل تغيّر بشكل كبير وملفت، فقد تقدّم لامتحان القبول نحو ثلاثة آلاف شخص من كل المحافظات السورية، فيما اختير 50 طالباً فقط، ومن هنا بدأ يتوافد الطلاب المحترفون من جميع المحافظات، والأساتذة المحترفون من دمشق كخريجي المعهد العالي للموسيقا، بالإضافة إلى خبراء من روسيا وأوكرانيا، والبعض منهم لا يزالون في الكلية حتى الآن، كما رفدت هذه الكلية المجتمع المحلي بعدد كبير نسبياً من خريجيها كأساتذة لتعليم الأطفال على العزف على الآلات المختلفة وبطرق أكاديمية لم تكن في متناول اليد لولا وجود هذة الكلية في محافظة حمص، وبالدرجة ذاتها انعكست أعداد هؤلاء المدرّسين المتخصّصين على كامل الجغرافية السورية، بل يمكن القول، إن 95٪ من الفرق الموسيقية التي تقيم الحفلات على مسرح دار الثقافة بنيتها الأساسية من كورال وعازفين هي من طلاب وخرّيجي هذه الكلية، والأمر المهمّ جداً هنا هو أن غالبية الكوادر التي تدرّس في المعاهد الموسيقية التابعة لوزارة الثقافة والمعاهد التابعة لوزارة التربية هي من خريجي الكلية.
وبالنسبة إلى الحفلات الموسيقية التي تقيمها الكلية هناك برامج موسيقية تعدّ مواد جامعية، كما تقدّم هذه الفرق برامج منوعة من الموسيقا الغربية الأكاديمية المنوعة “مع أو ومن دون كورال”.