رأيصحيفة البعث

المقاومة وزخم المفاجأة

بشار محي الدين المحمد     

منذ مجزرة “البيجر” وما رافقها وسبقها وتبعها من اغتيالات نفذتها اليدّ الصهيونية الملطخة بالمكر الاستخباري والحقد الأعمى بحق قيادات وكوادر المقاومة الوطنية في لبنان والمنطقة، وفق معادلة “التكنولوجيا تقهر الإيديولوجيا”، وكيان العدو يحاول استغلال عدد من العناصر التي يظنها قد “تُحكم” سيطرته في المنطقة.

أول تلك العناصر هو عنصر التهويل الذي يحاول العدو الإسرائيلي نشره بين الحاضنة الشعبية للمقاومة، فكراً وروحاً وسلاحاً، وذلك من خلال تنفيذ أعنف مجازر وقصف في التاريخ الحديث بحق تلك الحاضنة ومجمعاتها السكنية ومرافقها، بما فيها المشافي ومقرات البعثات والمنظمات الإنسانية، مدفوعاً بـ “تفوقه” الجوي الحربي.

وتالياً، يحاول هذا العدو تجييش القنوات التابعة له، والتي تبث بالعربية “لغةً لا انتماء”، سمومه وأحلام يقظته في نشر الخيانة بعد توهمه نشر العقائد البديلة الانهزامية.

أما العنصر الأهم الذي ظنّ العدو أنه وصل إليه وحققه فهو عنصر “زخم الحرب”، إذا حاول استغلال حالة زعزعة الصفوف وخلل الاتصالات وتفريغ القيادات العليا، وخاصةً بعد اغتياله سماحة القائد السيد نصر الله الذي يعتبر أبرز درر تاج المقاومة في المنطقة.. ورغم هول ما ذكرناه آنفاً فالعدو فارق الواقع نهائياً لدرجة أنه بدأ يهدد بالاجتياح البري للبنان، بل ولبلدانٍ أخرى تدعم المقاومة موقفاً وسلاحاً.

وكارثة هذا العدو هنا أنه نسي وقوفه بوجه قوىً عقائدية تعتبر الشهادة أحد أهم مخرجات المعركة وفق مبدأ “النصر أو الشهادة” الذي نهلته أجيالها منذ نشأتها الأولى وحتى ساعته، كأبجدية ثابتة لا تقلّ أهمية عن أول أبجدية سطرتها هذه المنطقة على جبين التاريخ.

ربما توهّم هذا العدو أنه “ربح” المعركة في غزة، رغم هزيمته في تحقيق البنود الثلاثة لحربه الخاسرة والمتمثلة في “القضاء” على المقاومة، واستعادة أسراه، و”سيطرته” على المحاور، ليقفز هارباً نحو بند رابع متمثل في “ضرب” المقاومة الوطنية اللبنانية، مدعياً أن ذلك كان البند الأول الذي وضعه على أولوياته منذ السابع من تشرين المنصرم.

لقد أثبتت قوى المقاومة أنها قادرة على ابتداع كل جديد متسلحةً بزخم “المفاجأة” الذي يضاف إلى آلاف عناصر القوة التي استخدمتها وستستخدمها ضد الكيان الصهيوني في معركة النَفس الطويل التي أجبرت العدو على تغيير وقلب قواعد اشتباكه فلم تعد تهمه خسائره ولم يعد يفضل الحدّ من عدد قتلاه أو أسراه، لأنه في الحقيقة أدرك أنه يحارب حروبه الوجودية والأخيرة التي لن تنتهي إلا بخسارته مع مشغليه من الغزاة الجدد الذين تعودوا بالنهاية على تقييم كل شيء وفق معادلات الخسارة والربح المادي الرأسمالي.

وصحيح أن الأيام الراهنة والقادمة قاسية، لكن الأهم هو أن النهاية ستكلل بقهر الكيان وطرد وهروب مستوطنيه نحو مستوطنة أخرى علّها قد تحقق أطماع مشغليهم، وبخسائر أقل لمشغليهم الذين باتوا ينقّلوا أساطيل حقدهم البلهاء من بحر لبحر، وبين جبهة وأخرى – حالهم حال الحافي على الجمر – فإلى متى سيطول قفزه وهروبه نحو الأمام؟!