دراساتصحيفة البعث

نشوة نصر كاذبة وحسابات خاطئة

د.معن منيف سليمان

شجع الصمت الدولي المتجاهل لاستنكار المجازر الوحشية التي يرتكبها جيش الاحتلال الصهيوني يومياً ضد المدنيين، الكيان الصهيوني على المضي قدماً في هذه الحرب الغاشمة، والتي يعدها وزراء اليمين المتطرف بمنزلة فرصة لا تعوض للثأر من المقاومة اللبنانية، والتخلص من قدراتها القتالية، وترسانتها الصاروخية، بحجة العمل على إعادة مستوطني الشمال إلى بيوتهم.

وفي خرق مكشوف للقرار 1701 اتخذ من توازن القوة الذي شكلته المقاومة اللبنانية طيلة الأشهر الأحد عشر الماضية ذريعة لممارسة نهجه التدميري، فالكيان أصاب أكثر من 4000 آلاف شخص في الهجوم السيبراني على أجهزة “البيجر”، ثم عاد واستأنف هجومه على أجهزة اللاسلكي ليعود فيستكمل عدوانه الخبيث باستهداف الضاحية الجنوبية واغتيال قائد قوة الرضوان إبراهيم عقيل، وعدد من معاونيه ليكمل جريمته باغتيال السيد حسن نصر الله، مع استمرار الغارات المتلاحقة طوال الأيام الماضية حاصدة مئات الشهداء والجرحى، ومخلفة أضراراً جسيمة تقدر بملايين الدولارات.

تؤكّد تصريحات نتنياهو أن “إسرائيل”، بعد الضربات المباغتة الناجحة ضد المقاومة اللبنانية ، منذ اغتيال فؤاد شكر، حتى اليوم،  تدير الآن حرباً على مرحلة تاريخية كاملة، وأنها تراهن على تغيير الواقع الجيو سياسي في الشرق الأوسط بما يخدم مصالحها وتوجهاتها، إخراجها من صورتها المتشظية بعد “طوفان الأقصى”، واستعادة هيبتها وقوة ردعها، من خلال تقزيم المقاومة اللبنانية، ومحاولة الإجهاز عليها.

“إسرائيل” التي تظن نفسها أنها تعيش سكرة القوة ونشوة نصر كاذبة، بعد سلسلة الاغتيالات والعمليات في لبنان، قررت القيام بعملية برية في جنوبي لبنان تهدف لبناء حزام أمني فعلي غير معلن لمنع عودة المقاومة اللبنانية، أو على الأقل استخدام احتلال هذه البقعة الحدودية اللبنانية ورقة مساومة لإحراز تسوية بشروطها، بما يتجاوز مضمون القرار الأممي 1701.

رسمياً، تقول “إسرائيل” إن هدف الحملة البرية هو إبعاد المقاومة اللبنانية من الحدود، وتدمير قواعدها العسكرية كي يتمّكن نازحو الشمال من العودة لمستوطناتهم.

في المقابل، هناك غايات غير معلنة خلف هذه الحملة البرية تتعدى تدمير المنشآت والمقدّرات العسكرية للمقاومة اللبنانية، بل تدمير القرى اللبنانية في الشريط الحدودي الممتد من رأس الناقورة حتى إصبع الجليل، من أجل كيّ وعي سكانها ودفع ثمن الحضانة للمقاومة اللبنانية.

كما إن كيان الاحتلال الصهيوني في ممارساته الوحشية ضد لبنان يهدف لرد اعتباره بعد الخيبات التي مني بها في غزة على الرغم من ادعائه بتدميرها، والقضاء على المقاومة الفلسطينية، وهو لا يزال منذ ما يقارب السنة يتعرض لمقاومة غير مسبوقة في غزة كما في الضفة الغربية.

وتشهد مستوطنات شمالي فلسطين المحتلة منذ الثامن من تشرين الأول الماضي، توترات شديدة جراء القصف المتبادل بين المقاومة اللبنانية والجيش الإسرائيلي في جنوبي لبنان، حيث أخليت مستوطنات قريبة من الحدود هناك، يسكنها مئات آلاف قطعان المستوطنين الصهاينة.

تريدها المقاومة اللبنانية استنزافاً، مع احتكاك برّي يعطيه فرصة للنيل من القوات البرية الغازية، وهذا ما أكده الشيخ نعيم قاسم، وسبقه الشهيد حسن نصر الله في خطابه الأخير، عندما وصفها بجبهة المساندة، وبأنها مستمرة في لبنان طالما أن الحرب في غزة مستمرة، مؤكداً أن وتيرة هذه المساندة تزداد كلما زادت “إسرائيل” من عدوانها، وأنه لا يوجد طريق لعودة المستوطنين في الشمال إلا بإيقاف الحرب على غزة، وهكذا فلا عودة للمستوطنين في الشمال إلا بإيقاف حرب غزة.

إن جيش الاحتلال الصهيوني منهك في قطاع غزة، وهو يحتاج إلى إعادة تأهيل، ولا يمكنه فتح جبهة جديدة تستمر لعدة سنوات، ولا يعرف نتائج البدء في عملية جديدة، كما أنّ الحرب مع المقاومة اللبنانية يمكن أن تتطور إلى حرب إقليمية، ما يعزز الشك باستعداد جيش الاحتلال الإسرائيلي لها، مع التوقع أن تلحق أضراراً جسيمة بالجبهة الداخلية، وأن تكلّف آلاف القتلى من الإسرائيليين.

وبالتأكيد على كلام الشهيد السيد حسن نصر الله الذي يفيد بأن إطلاق النار في لبنان سيتوقف مع وقف القتال في غزة، فإنّ ذلك سيكون الطريق الوحيد فقط لضمان عودة المستوطنين إلى الشمال.

نشوة النصر الكاذبة التي يعيشها الكيان جعلته يستخف بوقف النار، وبمنطق التسوية السياسية، وأكثر من ذلك أنه أخذ يفكر بتوسيع النار نحو استغلال الفرصة وضرب إيران ضربة استباقية تدمر منشآتها النووية، ولكن الرد المناسب في الوقت المناسب لا شك أنه غير الكثير من الحسابات التي بنيت على خطأ، وصار من الواجب إعادة النظر فيها وتصحيحها.

إن المقاومة مستمرة بإطلاق الصواريخ يومياً على الشمال الفلسطيني حتى يصحو الكيان من سكرة القوة والغرور، لأنه في نهاية المطاف لا بد من تسوية سياسية تتوقف بموجبها الحرب الوحشية على قطاع غزة، أما عودة المستوطنين في الشمال إلى مستعمراتهم، فهناك كلام آخر.