ثقافةصحيفة البعث

“شذرات روح”.. سردية لونية تختزل القصيدة

ملده شويكاني

الأنثى العاشقة في عناقها العاطفي تشغل الحيّز الأكبر من اللوحة، في حين تنتقل التعبيرية إلى الطريق المستقيمة، وعلى جانبيها تتمركز الأشجار عارية الأغصان، لنلمح في نهاية الطريق منفذ ضوء أبيض يتوسطه عاشقان يرقصان فرحاً، ما أعطى إيحاء بالبعد والامتداد.

لوحة الفنانة التشكيلية والشاعرة والروائية رنا محمود، والتي اعتمدت فيها على اللون الواحد للخلفية وتكوينات اللوحة بتدرجات الأزرق مع الخط الأسود المبسط بأسلوب تعبيري بسردية لونية، وألحقتها بمقطع من إحدى قصائدها بصوت السارد الراوي المتكلم “كنّ بحر جنوني، كنّ شكل الروح في ساعة صحوي الأخيرة”، رابطة بين الشعر والرسم في شغف تكامل الوحدة بين الفنّون، في معرضها الفردي “شذرات روح” الذي أقيم في المركز الثقافي العربي -أبو رمانة- وضمّ نماذج من مسارها الفني بالتصوير والنحت.

ومن العنوان نستشفّ مضامين الأعمال، فالشذرات تعني قطع الذهب الصغيرة برمزية إلى حالات إنسانية ومشاعر وجدانية تلامس الروح وشغاف القلب، والملفت أن المقاطع الشعرية ساعدت المتلقي على اتجاهات قراءة اللوحة من منظور رؤيته وفهمه لأبعاد الكلمة والتكوينات التشكيلية.

وبهذه التجربة التي جمعت بين الشعر والرسم تكون رنا محمود قد قاربت تجارب بعض الأدباء، الذين جمعوا بين التشكيل والأدب، مستخدمة ألوان الإكليريك على القماش، ومركّزة على اللون الصارخ الواضح للعنصر الأساس للوحة بتشخيص الجسد، في حين تمتاز الخلفية بامتزاجات لونية بدرجات مختلفة بأسلوب تعبيري.

السمة البارزة هي الشمس الساطعة من وراء الجبال بإيماءات رمزية تشير إلى الأمل بالنصر والغد الأفضل. كما شغلت الأنثى الحالمة لوحات متعدّدة بثوبها الوردي وبطريقة تموضعها داخل اللوحة مثل اللوحة التي تحمل بيدها الزهرة البيضاء وتسدل شعرها الأسود الطويل، وألحقت بها “على حافة الهوى والجنون تنمو بنفسجة روحي”.

وثمة خط خفيّ نقرؤه يشي بشيء من الذاتية في بعض اللوحات من خلال تشابه الملامح والشعر الأسود بين بطلات اللوحات، والفنانة والأديبة ذاتها، كما تمتد هذه الذاتية إلى صفحات مجموعاتها وسطور روايتها “سقوط الجمرة الأخيرة”.

وفي إحدى اللوحات، جسّدت محمود حالة الحلم الذي تعيشه الأنثى وسط حمامة بيضاء تدلّ على السلام والأمان، وتبقى البيوت المتلاصقة بالذاكرة، ودوّنت “أعانق روحي خلف بحار العمر، وأبقى على ريش حمامة غارقة في حلم وردي لم أستيقظ منه أبداً”،

وعبّرت عن قوة الانتماء والتشبّث بالأرض بتشكيل الأنثى المتمسكة بشجرة النخيل، وهيمنت عليها تدرجات اللون الأخضر “أنا السرّ المدفون والصرخة الثكلى، أنا النخل السماوي فاسمعوا أناشيد الحفيف بين أضلاعي”.

في الجانب الآخر من المعرض تبتعد عن الرومانسية لتعبّر عن هواجس ومعاناة أطفال غزة المقهورين، برسم طفل صغير يصرخ، “لكم يا أطفال غزة كل جراحي رسائل أمومة.. تتلوكم أناشيد مطر”.

ومن أطفال غزة إلى تصوير أكثر عمومية بتجسيد النزوح الجماعي من أماكن القصف والاشتباكات في غزة بالقافلة الجماعية الماضية، لكن مساحة الضوء تقود اتجاههم، متسائلين “ما الذي ينتظرنا غير مساحة من الحب، ومساحة من التراب؟”.

أما قسم المنحوتات، فنوّعت محمود فيه بين المنحوتات التي شكّلتها من الحجر الصناعي والخشب، وعبّرت عن حالات تأملية تعيشها الأنثى العاشقة الحالمة الفرحة، كما جسدت مشاعر الأمومة بمنحوتة المرأة الحامل، وعادت إلى التاريخ فنحتت شخصية الملكة ومن الأساطير اختارت حورية البحر، بينما باحت لوحات الرولييف للنحت النافر بأحجام مختلفة بموضوعات مختلفة، وأفردت محمود لوحة خاصة لها وهي على المنبر تلقي قصيدة شعر، لتؤكد مقولتها “حين شاء أبي أن يرسمني لوحة، أنجبتني أمي قصيدة”.