دراساتصحيفة البعث

نتنياهو يفعل ما تريده إدارة بايدن

هيفاء علي

كان الرئيس الأمريكي يأمل في فقدان الاهتمام بالشرق الأوسط، لكن الاضطرابات الخطيرة الجارية في المنطقة يمكن أن تؤثر على الانتخابات وتحدّد إرثها، هذا ما يقوله ألون بينكاس، الدبلوماسي الإسرائيلي السابق، الذي يعمل الآن كاتب عمود في صحيفة هآرتس، والذي أضاف “أن نتنياهو يعرف كيف يلعب لعبة واشنطن بشكل أفضل من معظم السياسيين الأمريكيين وقد جعل بايدن يشعر بالجنون”.

وفي مناسبات لا حصر لها خلال العام الماضي، بدا أن نتنياهو يوافق على شيء واحد مع واشنطن ويفعل العكس في الممارسة العملية، سواء أكان الأمر يتعلّق بالخلاف حول شروط وقف إطلاق النار في غزة والإفراج عن الرهائن لدى المقاومة الفلسطينية، أو المحاولة لوقف إطلاق النار لمدة 21 يوماً مع المقاومة اللبنانية في جنوب لبنان، لكن في كل مرة يجد بايدن نفسه في وضع عاجز. يقول: “نتنياهو يسحق بايدن والرجل المسكين لا يستطيع فعل أي شيء حيال ذلك، مع العلم أن من شأن مكالمة هاتفية واحدة من البيت الأبيض إلى البنتاغون أن تعلق رحلات إعادة الإمداد الأمريكية إلى “إسرائيل” وبدون تجديد مستمر للإمدادات، سيتعيّن على قوات الاحتلال الجوية أن توقف غاراتها على غزة والضفة الغربية ولبنان وسورية واليمن في غضون أيام، ولكن بدلاً من الاتصال بالبنتاغون، حثّ فريق الشرق الأوسط بأكمله، بما في ذلك بايدن وأنتوني بلينكن وبريت ماكغورك وجيش الاحتلال “إسرائيل” على توسيع عدوانها، وهم يأملون، كما أمل المحافظون الجدد في عام 2006 في عهد إدارة بوش، في “آلام ولادة شرق أوسط جديد”، وهو ما من شأنه أن يغيّر الوضع الاستراتيجي على الأرض إلى الأبد.

وراء الكواليس، يصف هوشتاين وماكغورك وغيرهما من كبار مسؤولي الأمن القومي الأميركيين العدوان الإسرائيلي على لبنان بأنها “لحظة حاسمة في التاريخ- لحظة ستعيد تشكيل الشرق الأوسط نحو الأفضل في السنوات القادمة”.

ويبدو أن الانقسامات الداخلية داخل الإدارة قد تبدّدت إلى حدّ ما في الأيام الأخيرة، حيث اجتمع كبار المسؤولين الأمريكيين في البيت الأبيض مؤخراً مع الرئيس جو بايدن لمناقشة الوضع على الأرض، واتفق معظمهم على أن الصراع، رغم هشاشته، يمكن أن يوفر فرصة “لتقليص دور المقاومة في لبنان والمنطقة”، وبالتالي، فإن الاستنتاج الذي يمكن استخلاصه هو أن نتنياهو يفعل بالضبط ما تريده إدارة بايدن أن يفعله، ومن الممكن أن يتغيّر الوضع الاستراتيجي، لكن الأمر لن يكون كما يأمل بايدن ونتنياهو.

والدليل الدامغ على الأرض أن معظم الصواريخ الـ 200 التي أطلقتها إيران على “إسرائيل” رداً على اغتيال قادة المقاومة اللبنانية والفلسطينية أصابت أهدافها بدقة جيدة، وألحقت أضراراً بعدد من الطائرات الباهظة الثمن.

ومن الممكن أن تؤدي ضربة مماثلة على منشآت الطاقة الإسرائيلية إلى إعاقة البلاد بسهولة لعدة أشهر أو حتى سنوات، كما أن الهجوم على ثكنات قوات الاحتلال الإسرائيلية أو المستوطنات الإسرائيلية يمكن أن يؤدي بسهولة إلى سقوط العديد من الضحايا. بعد وقت قصير من الغارة، التقى الرئيس مسعود بيزشكيان بوزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان آل سعود في الدوحة، وذكرت وكالة أنباء الصين (شينخوا) أن الوزير السعودي أعرب عن تصميم بلاده على تطوير العلاقات مع إيران، وقال: “نسعى إلى طيّ صفحة الخلافات بين البلدين إلى الأبد، والعمل على حلّ مشكلاتنا وتوسيع علاقاتنا كدولتين صديقتين وأخوين”. وسلّط الضوء على الوضع الحساس والحرج للغاية في الشرق الأوسط، بسبب اعتداءات “إسرائيل” على غزة ولبنان، ومحاولاتها توسيع الصراع في المنطقة، مضيفاً أن المملكة العربية السعودية تثق بحكمة إيران وبصيرتها في التعامل مع الوضع، والمساهمة في استعادة الهدوء والسلام في المنطقة.

هذا العدوان الوحشي والبربري على لبنان وفلسطين لم يحقّق غايته، بل عزّز جبهة المقاومة العربية ضد “إسرائيل” داخل الشرق الأوسط وخارجه. زيادة على ذلك، ترفض الأغلبية الكوكبية في الجنوب العالمي بشكل متزايد الهيمنة الأمريكية وأتباعها من المحافظين الجدد والصهاينة في الناتو، ولماذا تتحوّل بشكل متزايد نحو التعدّدية القطبية التي تمثلها مجموعة البريكس 10، والتي، مع توسيعها إلى “شركاء البريكس” سوف تصبح في قمة كازان، في غضون أسابيع قليلة، بريكس 10 + 10، أو حتى أكثر، في الوقت الذي تمكّنت فيه زمرة صغيرة من زعماء المحافظين الجدد، من خلال غطرستهم وتطرفهم، من الدفع بغرب حلف شمال الأطلسي إلى طريق الانحدار الذي لا رجعة فيه؟.

إذاً الصهيونية آفة ومرض “عقلي” يصيب قسماً من الإنسانية البيضاء المنحدرة من المتدينين المتزمتين القادمين من أوروبا في القرن السابع عشر، ودائماً بحجة تنفيذ نبوءة دينية ولدت في أدمغتهم المريضة، وتسمّم العالم وتسمّمهم. هي أساس كل الاستعمار، وهؤلاء هم الذين استوطنوا أراضي أمريكا الشمالية على حساب إبادة 100 مليون أمريكي أصلي كانت أراضيهم هناك، فلا عجب استمرارهم على حساب سكان آسيا الصغرى.

وبالتالي فإن الحلّ الوحيد لهذه المشكلة، أي مشكلة النازية الصهيونية، هو القضاء على الدولة الاستعمارية الفاشية ورأس الحربة المستعمرين الأنغلو- أمريكيين، الذين يتواجدون في حالة الانحطاط في العالم الحالي وفي آسيا الصغرى، وجميع “انتشاراتها”، لأن إغراء “حل الدولتين” على أرض فلسطين هو اختراع الصهاينة الذي لا يؤمنون به لأنه غير واقعي حتى بالنسبة لهم.