هل إنه حقاً “مرتفعاً أكثر من اللزوم”؟!
أحمد حسن
نعرف جميعاً أن “الأمم المتحدة” لا تملك في عالم اليوم من “أسلحة” للفعل سوى “القول” ولا شيء غيره، لذلك لم تجد، أمام هول الجريمة العلنية التي يرتكبها الصهاينة – الإسرائيليون وسواهم – سوى القول “إن الفلسطينيين يعانون أهوالاً تفوق الوصف”، فهذه “الأمم” لم تكن يوماً سوى جدار للبكاء ومنبراً للشكوى لا ميداناً للفعل، وحتى حينما رفع بعضهم صوت الحق من على منبرها لم يجد من ردود فعل سوى التصفيق ممن بقيت لهم بعض الشجاعة للبقاء في القاعة حين إلقاءه “مطوّلته” الهجومية.
والحق فإن ذلك أمر مفهوم و”معقول” ويمكن “احتماله” بطريقة أو بأخرى، في عالم الغاب هذا الذي نعيش فيه، لكن ما لا يمكن احتماله – رغم أنه يمكن فهمه – أن لا يردّ، ولو بالقول فقط، أحد من أهل الضحية على وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، وبلاده شريك أساسي في المجزرة، وهو يحاول التنصّل من الجريمة عبر إعلانه مطالبة “إسرائيل” بـ “تقليل ضرباتها في بيروت ومحيطها”، أو تباكيه على أهل غزة بالقول إن عدد الضحايا المدنيين “مرتفع أكثر من اللزوم”، وخاصة أنه واصل، في اللقاء نفسه، تأكيد بلاده على استمرارها في خطواتها العملانية لنشر نظام “ثاد” المضاد للصواريخ لتعزيز دفاعات “إسرائيل” في مواجهة التهديدات الإقليمية!
بهذا المعنى، فإن ما يقوله أوستن هو خطوة من خطوات إدارة المرحلة المقبلة من الصراع في ميدان واسع تتخلخل أسسه التي بُنيت طوال العقود الماضية، فهو إذ يعلن بهذه “الخطوة” ترفّعه الأخلاقي عن المجزرة يعلن أيضاً مشاركته العملية فيها حتى وصولها إلى نتائجها المرغوبة في سياق سياسة ترسيخ سطوة القطب الواحد – وذلك فحوى ما يحمله “هوكشتاين” إلى لبنان اليوم – وهي “سياسة” لم تُعن يوماً بمصير شعوب كاملة حتى تُعنى اليوم بارتفاع عدد الضحايا “أكثر من اللزوم”.
بيد أن الأمر، لا يتوقف، كما تقول ضربات المقاومة المتزايدة كمّاً ونوعاً، على “قول” الأمم المتحدة ولا على “تذاكي” أوستن، أو تخاذل بعض أهل الضحية، وحتى أنه لا يتوقف أيضاً على استمرار سياسة المجازر الإسرائيلية-الأمريكية لأن عدد الضحايا الذي بلغ “أكثر من اللزوم”!! لن يفيد المجرم في سعيه لتحييد مجتمعات المنطقة -المجتمعات الحيّة فعلياً- عن الاستمرار في خوض كفاحها المحقّ نحو الحرية.
إذاً فالمعركة ما زالت طويلة، وهي مرشحة، في ظلّ هذا الجنون المنفلت من كل عقال، والمحمي من طرف ما يسمى بالمجتمع الدولي، للانتقال إلى مرحلة الحرب الإقليمية الواسعة التي قد تجرّ خلفها حرباً أوسع، بيد أن ما يجب التأكيد عليه هنا هو حقيقتان أساسيتان، أولهما ما أشار إليه الكاتب البريطاني “ديفيد هيرست” في مقاله الأخير في موقع “ميدل إيست آي”، والذي أكد فيه أن حروب “إسرائيل” التوسعية الدائمة تمهّد لزوالها، والثاني ما قاله “آينشتاين” سابقاً: “لا أعرف ما هي الأسلحة التي ستستخدمها البشرية في الحرب العالمية الثالثة لكني أعرف أنهم سيستخدمون العصي والحجارة في الحرب التي بعدها” لأن الضحايا من الأطراف جميعها، وليس من طرف أصحاب الحق فقط، ستكون، بحق، أكثر من اللزوم.