في ذكرى تأسيسها.. الأمم المتحدة تسقط في امتحان غزة
د. معن منيف سليمان
أخفقت الأمم المتحدة إخفاقاً ذريعاً في امتحان غزة، وكان سقوطها هناك مدوياً. صحيح أن معظم أجهزتها حاول القيام بدوره لتقديم حدّ أدنى من الحماية للشعب الفلسطيني في غزة، لكن هذه المنظمة العتيدة اصطدمت في النهاية بعقبة كأداء ناجمة عن التحالف العضوي بين القوة الأعظم المتمثلة في الولايات المتحدة والكيان الصهيوني الأكثر إجراماً في العالم.
ومنذ تأسيسها عام 1945، واجهت الأمم المتحدة العديدَ من التحديات في تحقيق أهدافها، من أهمّها حفظ السلام والأمن الدوليين، وتعزيز التعاون الدولي، وحماية حقوق الإنسان. ولكن مع تفكُّك الاتحاد السوفياتي، وانهيار جدار برلين، برزت الولاياتُ المتحدة كقوَّة عظمى وحيدة، ما أدّى إلى تهميش دور الأمم المتحدة، وجعلها أداةً في يد الولايات المتحدة لفرض رؤيتها على العالم.
الأمم المتحدة هي المنظمة المسؤولة عن حفظ السلم والأمن الدوليين، ولأنها تأسّست على قاعدة تحريم استخدام القوة في العلاقات الدولية أو حتى مجرد التهديد باستخدامها، فقد كان من الطبيعي أن تنشغل بالبحث عن تسوية للأزمة الناجمة عن الحرب التي يشنّها الكيان الصهيوني حالياً على قطاع غزة، والتي قد يتسع نطاقها في أية لحظة لتتحول إلى حرب إقليمية شاملة.
لقد أدّى العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة إلى تعميق الشكوك تجاه الأمم المتحدة، مؤكداً فشلها في دعم الشعب الفلسطيني، وقد تجلَّى قصورها في ضعف استجابتها وسلبية موقفها، ليكون صمتها بحدّ ذاته تواطؤاً مع العدوان على غزة، إذ اقتصر دور الأمم المتحدة على إصدار تقارير موجزة تعرب فيها عن قلقها، وإصدار بياناتٍ لا تجرؤ فيها حتى على المطالبة بمحاسبة الكيان على جرائمه في القتل الممنهج للمدنيين، وتدميره البنية التحتية المدنية وتنفيذه للعقوبات الجماعية بحق الفلسطينيين.
وبعد عام كامل من العدوان غير المسبوق على قطاع غزة، فإن عجز الأمم المتحدة عن توفير الإمدادات الأساسية، وتأمين وقف إطلاق النار، أو حماية مرافقها واللاجئين في غزة، يكشف عيوبها. هذا فضلاً عن فشلها في استثمار امتيازاتها المؤسسية الخاصة في ممارسة الدبلوماسية الوقائية من أجل دعم تنفيذ أية هدنة أو وقف إطلاق نار على نحوٍ عاجل.
إن الولايات المتحدة توفر الغطاء الكامل لجرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين، بما فيها الحقوق الجماعية المتمثلة بالحق في تقرير المصير وبناء الدولة المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، ثم عدم قدرة الأمم المتحدة على فرض قراراتها، ثم البيروقراطية، ثم عدم تمثيل الدول بشكل عادل، خصوصاً في مجلس الأمن؛ إذ إن الولايات المتحدة هي القوة العالمية الرائدة والمموّل الرئيسي لمنظومة الأمم المتحدة (22 بالمئة من الموازنة العامة للأمم المتحدة، و27 بالمئة من مهمات حفظ السلم).
وبناءً على الدعم والحماية الأمريكية ضرب الكيان الصهيوني بقرارات الجمعية العامة عرض الحائط، ولم يعرها أي اهتمام، وراح يواصل حربه المجنونة على الشعب الفلسطيني الأعزل في القطاع، وحاولت العديد من الوكالات الدولية المتخصّصة، كمنظمة الصحة العالمية ومنظمة الأغذية والزراعة وغيرها، وكذلك كلّ أجهزة الأمم المتحدة المعنية بشؤون اللاجئين والإغاثة، لفت نظر المجتمع الدولي إلى حجم الكارثة التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، من خلال تقارير تثبت حجم الجرائم التي ارتكبتها الكيان التي توثق مظاهر انهيار النظم الصحية والتعليمية والإغاثية في القطاع وتحوله إلى منطقة غير قابلة للحياة، مؤكدة أن ما يزيد على 2 مليون إنسان باتوا على وشك أن يتعرضوا لمجاعة فعلية خلال أسابيع قليلة.
ذلك كله لم يغيّر شيئاً من سلوك الكيان الذي راح يواصل ارتكاب جرائم تقشعر لها الأبدان، كان آخرها قتل سبعة من موظفي الإغاثة الأجانب العاملين في منظمة “المطبخ المركزي العالمي”، ما يؤكد إصرار هذا الكيان المارق على تجويع سكان القطاع لدفعهم نحو النزوح.
ويعود السبب في هذا الصلف المذهل من جانب الكيان إلى اطمئنانه التام إلى أنه يستطيع أن يفلت بكل جرائمه دون عقاب، مهما بلغت فظاعتها، وذلك لسبب واضح تماماً، هو أن الولايات المتحدة جاهزة دائماً لحمايته في مجلس الأمن؛ الجهة الوحيدة المخولة لفرض عقوبات على الدول التي تنتهك القوانين والأعراف الدولية، ومستعدة في كلّ وقت لاستخدام الفيتو للحيلولة دون توقيع أية عقوبات عليه.
إن عدم فاعلية استجابة الأمم المتحدة في غزة تؤكد الحاجة إلى إجراء إصلاحات منهجية لتلك المنظمة التي لم تعد قادرة على أداء الغرض الذي أُسّست من أجله، ومن ثم فإن عليها أن تتجاوز الجمود البيروقراطي والقيود التي يفرضها مجلس الأمن إذا كانت تريد حقّاً التوافق مع ميثاقها وأداء رسالتها الحقيقية. وما لم يتمكّن المجتمع الدولي من الاتفاق على صيغة لإصلاح مجلس الأمن وتغيير قواعد التصويت فيه، فسوف يتحوّل المجتمع الدولي إلى ساحة تسود فيها شريعة الغاب مثلما يحدث الآن في قطاع غزة.